رحلة إلى قرية الفاو عاصمة كنده ( الجزء الثاني )

 أهلا وسهلاً بكم مع أخوكم الباحث الجغرافي والرحالة حمد العسكر في الجزء الثاني من رحلة قرية الفاو عاصمة كندة

كنت قد توقفت معكم في الجزء الأول عند بداية دخولي القرية أسفل الأرض .. حيث انتهت رحلتنا بسبب طيور الخفاش، ومن هناك سنكمل الطريق إلى أسفل الأرض ثم نأخذ جولة نعبر من خلالها الزمن نحو الوراء

 

       عودة مع الخرائط والصور الجوية للموقع

 

الموقع الفلكي للفاو

 تقع قرية الفاو عند تقاطع دائرة عرض N019.46.55  بخط طول E045.08.53

 

الموقع الجغرافي

      تقع قرية الفاو جنوب غربي مدينة السليل بحوالي 100 كم  و 150 كم إلى الجنوب الشرقي من الخماسين عاصمة وادي الدواسر عبر الطريق المسفلته مخرج نجران الواقع بين السليل والوادي ... وتقع جانب الطريق الرئيس الذي يصل السليل بنجران وشرورة  وإلى الغرب من محمية عروق بني معارض ... وتبعد عن المخرج حوالي 90 كم ... أنظر الصورة الجوية للموقع .

 

صورة جوية توضح موقع قرية الفاو

 

معلومات موثقة عن هذا المكان الأثري

        كانت تسمى عند البادية بـ " القرية "  ... تقع عند فوهة مجرى قناة تسمى " الفاو " ... تقع على الطريق التجاري الذي يربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها وشمالها الشرقي ... وتحدثنا قرية الفاو عن تلك الحضارة العريقة لمملكة كنده وامرئ القيس وملك قحطان .... وقد بدأت الأنظار تتجه إلى تلك القرية كموقع أثري عام 1940م حين نبه له أحد موظفي شركة أرامكو ... ثم تلا ذلك رحلات واستطلاعات علمية قام بها " عبد الله فلبي " وبعض علماء الآثار الأجانب ... فما كتبوه عنها كان النواة الأولى بيد جامعة الملك سعود بالرياض لتبرزها لنا في " قرية الفاو" عام 1971م.... ( وحدة المتاحف والآثار )

 

   وقد توقف التنقيب عن آثار قرية الفاو الأثرية .... ولم يعرف السبب ... وهذا الأمر له أثر سلبي على مستقبل هذه القرية الأثرية ... التي قد تتعرض للسرقة والتخريب...

 

في الصورة نشاهد أثار الدفن باللون الأبيض والقرية تقبع أسفل سطح الأرض ... وما حفر هو في الجزء الشمالي فقط

 

صورة للجزء الشمالي الذي تم التنقيب عنه من قبل فريق جامعة الملك سعود

 

أعود معكم لبعض ما ذكرته سابقاً من أن قرية الفاو هي قرية مدفونة بالكامل تحت الأرض ولم يحفر منها إلا القليل والباقي ترك وأحيط بشبك طويل ... وأعتقد والله أعلم أنها تمتد لمسافات كبيرة تحت الأرض نحو الجنوب مما تم حفره ... لأن الذي يسير على الأرض يشعر باهتزازاتها تحت قدميه ... ومن خلال الصورة الجوية السابقة ...تتضح الرؤية ... فاللون الأبيض الذي يمثل الطمي والدفن يمتد لمسافات طويلة جانب الطريق ... والجزء الذي حفر يقع في طرفه الشمالي فقط ...

 

 وهذا الطوفان من الدفن والتغريق الصحراوي ... يوجد في مجرى وادي الدواسر عند إلتقائه بحافة طويق ... ولعل الصور التالية توضح ذلك... ففي داخل السياج الكبير ... يوجد سياج خاص على كل موقع تم حفره هناك ... ومع الأسف الشديد كلها قد تم تخريبها وقطعها من قبل العابثين ... ولا ألومهم بقدر ما ألوم هيئة الآثار المسئولة عن حماية مثل هذه الكنوز التاريخية العظيمة ... فبدلاً من تركها بهذا الشكل المهمل ... كان يفترض أن تنظم وتهيأ لتصبح موقعاً سياحياً يقصده الناس ضمن قواعد وضوابط معينة ... فلا أعتقد أن مثل هذا الكنز العظيم كان ليترك سداً في مكان آخر من العالم.

 

 

أبدأ معكم الآن صور الجزء الثاني من رحلتي لهذا المكان التاريخي العظيم 1431هـ

 

بالقرب من الموقع محطة وقود على الطريق يوجد بها مكان للراحة والنوم انطلقنا منه نحو الموقع

 

بدأت رحلتي بمواصلة الدخول نحو العمق حيث الظلام الدامس والدهاليز التي أصبحت مأوى للخفافيش

 

صورة لسطح الأرض يظهر عليها الطمي الذي يغمر أجزء كبيرة من قرية الفاو

 

بعض الشواهد القديمة عند وصولنا نحو الجزء الأوسط الذي كشف عنه

 

موقع الدخول إلى باطن الأرض في منازل القرية حيث توقفت في الجزء الأول

 

موقع دخول آخر مطمور والكثير من المواقع لم ترى النور بعد

 

جسور من حجارة تحمل السقف وتربط الأطراف

 

أثناء النزول عبر الممر نحو الداخل

 

ممرات وغرف كانت تعج بالحياة سابقاً بقية شاهداً على أمم زالت

 

إحدى الغرف ونشاهد الأحجار التي بنيت بها وقد ظهر عليها التأكسد عبر مر الزمن

 

أخرى جوانب من طين

 

تنتشر الخفافيش في كل مكان داخل تلك الغرف

 

الخفافيش ... مستوطنون منذ مئات السنين تحت مستوى سطح الأرض ... ظعنوا مكان الإنسان الذي شد وهجر هذه الديار

 

لم أطل المكوث بالداخل بسبب الظلام الدامس وإزعاج الخفافيش والرائحة الكريهة التي تنبعث من المكان ... فخرجت نحو السطح ... لأخذكم في جولة سريعة عبر الجزء الذي سبق وحفر عنه لنرى آثار تلك الحضارة والفن المعماري الهندسي القديم

 

جانب من القرية حيث تم الحفر والتنقيب

 

 

كانت مطمورة تحت الأرض ومازالت معالمها تحكي حياة ساكنيها

 

 

الجزء الشرقي من موقع الحفر

 

ما تبقى من عاصمة كندة  في الجزء الأوسط

 

 

أحد أعمدة السقف يقف شاهدا على قوة البناء الذي زاد عمره على ألفي سنة

 

جانب من بعض الغرف المكشوفة للعيان

 

سألت الدار تخبرني عن الأحباب ما فعلوا؟      ****      فقالت أناخ القوم أياما وقد رحلوا

 

فقلت: فأين أطلبهم وأي منازل نزلوا ؟    *****   فقالت في القبور وقد لقوا والله ما فعلوا
 

أناس غرهم أمل فبادرهم به الأجل     ****   فنوا وبقي على الأيام ما قالوا وما فعلوا
 

درج من الصخور المنحوتة

 

سبحان الله العظيم

 

الجزء الجنوبي ونلاحظ سماكة البناء في الجدران

 

محدثكم يقف متأملاً وقائلاً عظمة الله تتجلى في خلقه

 

ألا كل شي ما خلا الله باطل  ***  وكل نعيم لا محالة زائل

 

بعد ذلك تجولت في مواضع متفرقة لأنقل لكم صورا لبعض المنحوتات التي بقيت وسلمت من العبث والسرقة إما لحجمها أو وزنها وصعوبة نقلها

 

 

قدور وأعمدة ومسلات عبرت الزمن الماضي لنشاهدها في الحاضر

 

 

تجاويف دقيقة ونحت هندسي رائع في صخور شديدة الصلابة

 

 

 

جزء من الرحى التي تستخدم في طحن الحبوب

 

 

 

بركة للماء نحتت بهذا الشكل الجميل أدت عملها بعمر افتراضي طويل تخطى عمر ناحتها

 

بعد ذلك ننتقل إلى جزء من القرية التي تم الحفر عنها وقد ميزت بوضع حامي من الخشب والزنك عليها يعتقد أنه من أبرز الآثار هناك ويلفت النظر وجود كتابات قديمة منحوتة بشكل دقيق ومنظم على الصخور التي بني بها

 

 

 

أيدي بشرية كالآلة أبدعت التصميم والنحت

 

العلم صيد والكتابة قيده  ***  قيد صيودك بالحبال الواثقة

 

وهذه أوثق الحبال التي استخدمت آن ذاك

 

لوحة فنية جميلة طبعتها يد بشرية ماهرة على صخور من صلب يزيد عمرها عن 2400 سنة

 

محدثكم يلتقط صورة أخيرة لهذه الآثار العظيمة ليصل بكم إلى نهاية هذه الرحلة التي نقلتنا عبر الزمن إلى الوراء

 

آملاً أن ألتقي بكم في الجزء الثالث من قرية الفاو قريباً إن شاء الله

 

اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وإلى رحلة أخرى في ربوع بلادنا الغالية

 

تقبلوا تحيات أخوكم ومحبكم حمد العسكر