المرحلة الثانية
سفاجة - قنا - الأقصر
خريطة توضح خطة السير في المرحلة الثانية من الرحلة
بعد أن بدلنا اللوحات توجهنا جنوباً نحو مدينة سفاجة 60كم .. قاصدين الطريق نحو وادي النيل ... مررنا بسفاجة ليلاً ... وابتعنا منها بعض الخبز والمشروبات وتوجهنا نحو الغرب باتجاه مدينة قنا ... وفي منتصف الطريق ... عند الساعة 9.30 م انحرفنا عن الطريق نحو الشمال .. قرابة 7كم حيث بتنا ليلتنا في الصحراء الشرقية الهادئة بعد أن تناولنا وجبة عشائنا ونفضنا عن أجسادنا ما لحق بنا من التعب.
والجدير بالذكر أن تضاريس الجزء الشرقي من مصر عبارة عن جبال البحر الأحمر قرب الساحل وهي جبال أقل ارتفاعا من جبال مدين ... وهي أرض جرداء وخالية من السكان تقريباً ... ويلي الجبال نحو الغرب الصحراء الشرقية التي تمتد من جبال البحر الأحمر إلى وادي النيل العظيم ... وهي صحراء جرداء خالية من النبات وفقيرة في التربة ... وتتخللها بعض الرواسب القديمة على شكل تلال صغيرة متفرقة ... ولا يزينها إلا الهدوء الذي يسودها وخاصة في الليل ... ومن خلال مشاهدتنا لها في الصباح ... لا يبدو أن أحدا يجوبها فلم نشاهد آثار سيارات أو حتى حيوانات ... وأعتقد والله أعلم أنها تحوي أثاراً قديمة مطمورة أسفلها.
صورة لمكان المبيت الذي قضينا فيه ليلتنا في هدوء ونوم عميقين
قد يتساءل البعض عن الأمن في مصر .. الأمن هناك على درجة عالية جداً ... بالنسبة للعرب والمسلمين ... والآخرون أعتقد أنهم آمنون في نطاق الحضارة .. وحول تساءل البعض هل أنا وزميلي خالد نحمل سلاحاً معنا كما نحمله في كل رحلة ... أقول نعم نحمله بطريقة نظامية ولله الحمد ... ونحن نعرف أننا لن نحتاجه بأمر الله .. وإن احتجناه فقد يكون للصيد أو دفع صائل أو مفترس، ولله الحمد لم أرى له حاجة، لذلك لم يخرج من مخبئه ولم يره أحد حتى زميلي خالد إلى أن عدنا إلى أرض الوطن سالمين ..
قنا
في الصباح الباكر عدنا للطريق وواصلنا المسير نحو مدينة قنا التي دخلناها عند الساعة التاسعة صباحاً ... فأخذنا فيها جولة قصيرة ... ورأينا نهر النيل الذي يمكنني أن أصفه لكم كما يلي (( مجرىً مائياً يتراوح متوسط عرضه من 150-300م ... تحاذيه شرقاً وغرباً أراضٍ زراعية خصبه يتراوح متوسط عرضها من 3-6كم لكل جانب ... ثم يحاصر تلك الأراضي من الشرق والغرب هضبتان يطلق عليها مرتفعات تجاوزاً يبلغ متوسط ارتفاعهما 100م وهي تحاذي النيل من الجنوب "أسوان " إلى الفيوم جنوب القاهر ... بطول يصل إلى 800كم تقريباً ... وفي الجنوب قرب أسوان تضيق الأراضي الزراعية حتى تتلاشى لتصطك المرتفعات بالنهر وتضيق عليه ... )) وحول هذا المجرى وفي الدلتا شمال القاهرة ... يتركز أكثر من 90% من سكان مصر ... وما عدا ذلك هو صحاري فقيرة جداً جرداء قليلة الأمطار ... ذكر لي في بعض المناطق منها في الواحات أن الأمطار قد تتأخر عن السقوط من 4 - 7 سنوات والله المستعان.
صورة لمجرى نهر النيل من مدينة قنا .. لاحظ وجود المرتفعات الرسوبية غرب النهر خلف الزراعة
صورة لإحدى القنوات "ترعة" تحاذي النهر لتسقي الأرضي الزراعية
الأقصر
مقدمة
((
مدينة الأقصر جزء من مدينة طيبة القديمة
التى أطلق عليها شاعر الإغريق الشهير "
هوميروس " اسم المدينة ذات المائة باب
لكثرة ما بها من صروح عالية وبوابات شاهقة
وتطورت المدينة عبر التاريخ حتى أطلق
عليها العرب اسم الأقصر – أى مدينة القصور
وذلك بعد أن بهرتهم بقصورها وضخامة
مبانيها
إن مدينة الأقصر ظلت مقرا
للسلطة فيما بين 2100 إلى 750 قبل الميلاد
ومن هنا نعرف سر الرغبة التى يحسها الزائر
لهذه المدينة الخالدة بآثارها الشامخة ذات
الأعمدة الشاهقة على ضفتي النيل فى مدينة
الأحياء على البر الشرقي حيث مشرق الشمس
مصدر الحياة والنماء وفى مدينة الأموات
على البر الغربى من النيل حيث مغرب الشمس
مودعة الحياة فى مدار أبدى.
وعلى الضفة الشرقية للنيل معبد
الأقصر – معابد الكرنك – متحف الأقصر
بينما على الضفة
الغربية للنيل تمثالا ممنون – مقابر وادى
الملوك والملكات – المعابد الجنائزية –
مقابر الأشراف – مقابر دير المدينة
.. ودير البحري ..))
توجهنا من مدينة قنا نحو الجنوب عبر الطريق المحاذي للنهر من جهة الشرق قاصدين مدينة الأقصر التاريخية ... التي تحوي كما يقال ثلث آثار العالم، آثار يرجع تاريخها إلى 4000 سنة ، والجدير بالذكر أني لم أبيت زيارة تلك الآثار في رحلتي بقصد الزيارة كما يفعل البعض ... وإنما كان مروراً بها على طريق الرحلة ... لماذا ؟ تلك الآثار يطلق عليها اسم معابد وهي كما يقال كانت معابد للفراعنة وبعضها قبوراً تعبد من دون الله لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تملك لنفسها أو لأحد ضراً ولا نفعاً ، لذلك لا يجوز أن تقصد للعبادة أو الاعتقاد أو التبرك بها ... ومع الأسف الشديد رأينا حتى من الأجانب وأقصد بهم الأوربيين والروس وغيرهم ... من يعظم تلك المعتقدات.
لا شك أنها ثروة تاريخية ومورد سياحي عظيم لمصر العظيمة ... ولكن كان ينبغي على الحكومة المصرية بحكم هذا البلد مسلماً أن توضح شيء من الإرشاد والتوجيه للناس.. حتى لو كان من خلال المرشدين السياحيين ... مفاده أن ما تحكيه الروايات حول تلك المعابد ما هو إلا إرث تاريخي ... لا يسير على نهجه العقدي شعب مصر المسلم.
ذكرت هذا الكلام لأني التمست من خلال معظم الأخوان هناك وخاصة الذين يوجهون السياح "المرشد السياحي" ... أنهم ينقلون صورة عن آلهة الفراعنة المزعومة وكيف أنها تضر وتنفع وأن ذلك حقيقي في وقته ... كإله الشر وإله الخير وإله الشمس ... وغير ذلك ... وكأنهم يوحون بتعظيم هذه الآلة والمعابد عقدياً ..
نعود لسياق الحديث ....
مررنا في مدينة الأقصر بآثار كثيرة لم نتوقع أن نراها بتلك الصورة ... وركزت في تقريري هذا أن أعرض لكم ثلاثة آثار هي الأكبر والأعظم هناك .. وهي
( معبد الكَرْنَك - ومعبد الأقصر - ووادي المملوك )
معبد الكَرْنَك ( الحصن )
يرجع تاريخ هذا البناء الأثري إلى 2000ق.م حوالي أربعة آلف سنة ... وقد هالني ما رأيته من بناء القصر وتشييده ... قد أعجز عن وصفه الوصف المناسب ... إلا أنه يمكنني أن أقول بأني رأيت أعمدةً ومسلات صخرية ضخمة تعجز رافعاتنا اليوم عن حملها ... قد نحتت من صخور صلبة وهي قطع كبيرة تصل أقطار بعضها إلى 4م وارتفاعها إلى أكثر من 20م .. وقد صنعت نحتاً بشكل هندسي دقيق زين بحفر ورسومات تحكي لغاتٍ غايةٍ في القدم ... والإعجاز الذي حير العالم هو مصدرها وكيفية نقلها.. فلا يمكن أن تكون من أرض مصر الرسوبية.. حيث لا أثر للجبال التي نحتت منها ... والراجح كما ذكر وقيل أنها جلبت من الجنوب عبر النهر ... ربما من السودان ... لكن يبقى كيف نحتت تلك الكتل وكيف نقلت وهي تزن مئات الأطنان ... ثم كيف وصلت سالمة وركبت مع بعضها البعض لتبين هذا الشكل الهندسي العظيم.
صورة جوية لمعبد الكرنك 2000ق.م ... لاحظ دقة التخطيط وضخامة البناء
قارن بين حجم الناس وضخامة صخور البناء
انظر الأعمدة الداخلية .. كل عمود قطعة واحدة .. نقش عليه ما يوحي بأنه مبني من صخور مرصوفة
لاحظ ضخامة العمود الواحد وكيف أنه قطعة واحدة وما يحيط به نقوش تعرت مع مر الزمن
حائط صخري ضخم زين بالنقوش والرسوم الفرعونية .. دقق النظر في كتلة الحائط التي تظهر خلف الرسم
تكسر هذا البناء مع مر الزمن إثر الزلازل التي تعاقبت على الأرض
مسلة عبارة عن قطعة صخر واحدة من الجرانيت ارتفاعها 37م عامود دائري من قطعة واحدة صخرية صلبة .. نقش عليه ما نراه كالبناء
وبغض النظر عن ما كانت ترمز له هذه القطع كالمسلة وغيرها ... هناك مسلات أخرى ... إحداها كسرت إثر حدث وبقية مرمية على الأرض ... والعجيب أنك إذا اقتربت من كتل الجرانيت تلك ... تجدها مصقولة بدقة خارقة ... قد تعجز الآلات الحديثة أن تصل إليها ... وفي ذلك احتار علماء الآثار في العالم.
صورة لجزء من المسلة التي كسرت ونلاحظ دقة قطعها ونقشها
وفي إحدى ممرات القصر يوجد هذا التمثال الذي لم يبقى منه إلا نصفه السفلي ...لاحظ كيف تسطع الشمس في دقة صقله ونحته ... ومن ضخامته الواقف لا يصل طوله إلى نصف ساقه.
عند مدخله الغربي الذي يفتح على النيل قديماً ... نشاهد هذا التمثال العظيم الذي نحت من صخرة واحدة ... وحوله العديد من التماثيل المشابه التي قيل أنها كانت ترمز إلى القوة وبسط النفوذ
تماثيل أخرى عديدة في الفناء الداخلي
لاحظ كيف ربط المبنى من الأعلى بصخور عملاقة ... وكيف أن بعض الألوان مازالت موجودة منذ 4000 سنة
لاحظ في الخلف هندسة البناء في أعمدة السقف المصطفة على مستوى أفقي ثابت
جانب آخر من الداخل .. تتجلى فيه روعة الإبداع في البناء والنقش على هذه الكتل العملاقة
صورة توضح كيف أن هذا الحائط صخرة واحدة ... وهذه النقوش أشكال الحجارة ما هي إلا جزء من ذلك الصخر
أحد التماثيل في الفناء الداخلي
لافته وضعت عند مدخل القصر "المعبد" توضح ماهيته وعمره وعصره القديم
معبد الأقصر
أمضينا جولة ممتعة في معبد الكرنك خرجنا بعدها إلى معبد الأقصر الذي يقع جنوباً منه وهو بناء لا يقل في روعته وجماله عن سابقه .. وأترككم مع هذه الصور التي تأخذنا إلى هناك.
صورة جوية لمعبد الأقصر ... ولاحظ اقترابه من مجرى النهر
لافتة تشير إلى مدخل بناء الأقصر الذي يعاكس مواقف السيارات
محدثكم ورفيقه في عربة يجرها حصان "حنطور" وهما يلتفان من مواقف السيارات إلى المدخل
الصورة الأولى للواجهة الشمالية الشرقية من المبنى .. لاحظ ضخامة البناء وأحجام التماثيل
من أمام المدخل وتظهر الأعمدة عظيمة الحجم في الداخل
بعد الدخول نلاحظ كيف أن هذا المبنى اختفت بعض أجزائه العلوية مع مر العصور إثر الزلازل والسرقات التي تعرض لها
تقف الأبصار حائرة أمام ضخامة البناء وهندسة التصميم
بعض الأواني الحجرية التي يعجز الشخص والشخصان عن حملها
وادي الملوك
بعد أن تجولنا في معبد الأقصر المترامي الأطراف .. خرجنا منه لنتوجه نحو الضفة الغربية من النهر في مدينة الأقصر التي يطلق عليها البعض مصطلح الغرب .. لننظر إلى ما هو أعجب وأغرب من تلك المعابد .. إلى وادي الملوك
وأعود معكم للوراء قليلاً .. عندما ذكرت لكم بأن نهر النيل تحاصره من جهتي الشرق والغرب مرتفعات رسوبية عبارة عن هضبتين تنحدر نحو النهر بشدة وتتراجع في الاتجاه المعاكس ببطء حتى تضيع في مستوى السطح العام ... وهذه المرتفعات الرسوبية ما هي إلا رواسب قديمة نتجت عن إرسابات النهر أثناء فيضانات تعاقبت عليه على مر العصور والأزمان ... وهذه الإرسابات حوت كنوزاً وآثاراً قديمة تحتها ... وما نراه في وادي الملوك هو خير مثال على ذلك ... كما بدا لي ...
فوادي الملوك عبارة عن مقابر وبناء ونقش حجري يقبع تحت الأرض حتى تم اكتشافه من قبل هيئات الآثار وتم حفر مداخل تلك المواقع ليخرج ذلك الكنز المدفون المحفوظ بألوانه وروائعه القديمة التي تعود إلى ملوك الفراعنة ... وقد يعتقد البعض أن تلك الآثار صغيرة أو سطحية ... بينما ستذهل من يجتاز بواباتها بما سيشاهده وبما سيقطعه من المسافة سيراً تحت الأرض ... والتي تزيد في بعض تلك المدافن عن 100م ... والجدير بالذكر أن الحكومة لم تكتشف ولم ترفع النقاب إلا عن جزء يسير من الكنز المدفون.
ووادي الملوك عبارة عن وادي قاحل صغير يشق تلك المرتفعات الرسوبية الغربية لنهر النيل غرب مدينة الأقصر .. يعجز اللسان أن يوفي ما يحويه حق وصفه وذكره ...
وصلنا وادي الملوك عصراً وهو قريب جداً من الطرف الغربي لمدينة الأقصر ... حيث لا يبعد أكثر من 8كم ... وقد وصلنا إليه بسيارتنا ... وكان الدخول سهلاً وغير ممتنع ... فالعربي يدفع رسماً مقداره أربع جنيهات فقط ... أما الأجنبي وأقصد به غير العربي فيدفع رسماً مقداره 100 جنيه ... وفي ذلك لفتة جميلة من الحكومة المصرية ...
ولكن ما كدر خاطري هو منع التصوير هناك .... فعند البوابة وجب علينا وضع كاميرا الفيديو في صندوق الأمانات ... وسمح لنا بإدخال كاميرا التصوير الرقمية ... بشرط التصوير خارج المعابد وخارج الآثار ... أي تصوير المرتفعات وبطن الوادي ... الأمر الذي حز في نفسي كثيراً لا سيما وأنا قد قطعت آلاف الكيلومترات وأقف على شيء مجهول للكثير أحب أن أنقله للآخرين ... وحاولت أن أعرف السبب وقالوا : "الحكومة بدها كدا" والبعض قال : من أجل المحافظة على الألوان داخل الآثار فالفلاش قد يبهتها مع الوقت . فلما سمعت ذلك التمست لنفسي عذراً ... حيث أني أحمل كاميرا تصوير تحوي نظام التصوير الليلي المتطور ... الأمر الذي دفعني بالأخذ بقاعدة ( من كان له حيلة فليحتل ) والدمج بينها وبين قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) ... ولا شك أن في ذلك مخالفة للأنظمة الصارمة التي تنص على مصادرة الآلة وغرامة مقدارها 1000 جنيه كما أخبرنا بذلك أحدهم... ولكن سألت الله التيسير والستر بعد انتفاء سبب المنع عندي ... فأبدلت شرائح الذاكرة بأخرى جديدة حتى لا يصادر منا ما سبق إذا احتدم الأمر ...
وبفضل من الله تمكنت من أخذ العديد من الصور ... في وسط شابه استغراب وتعجب من السياح الأجانب الذين هم أكثر ولعاً منا في الحصول على مثل تلك الصور ... حتى أن البعض منهم كان ينظر إلي وهو يستفهم بيديه ... كيف ... ولماذا ... مع مراعاتي الشديدة لمشاعرهم بإخفاء الآلة ... في جو يقوم فيه الزميل خالد بالتغطية باللهجة المحلية النجدية التي يعجز العربي من غير بلادنا فهمها ... مثل دير .. افهق ... اقحص ... انهج ... ...
وأعتذر عن ذلك التصرف كل الاعتذار
تلك المقابر كما تسمى أو المعابد أو المدافن ترجع في تاريخها كما ذكر ذلك المؤرخون والحكومة المصرية إلى عصر الفراعنة الذين تعاقبوا على حكم مصر وحكم أرض النيل ...
أترككم مع تلك الصور ومع بعض التعليق المختصر
صورة جوية توضح موقع وادي الملوك وسط تلك الهضبة الرسوبية .. لاحظ تلك المستطيلات التي هي بوابات الدخول لما هو تحت الأرض
بوابة الدخول حيث الرسوم وحجز آلات تصوير الفيديو
المداخل التي بنتها الحكومة بعد التنقيب عن المقابر أسفل الكتل الرسوبية .. لاحظ طبيعة الأرض التي يغلب عليها الحجر الرسوبي
صورة من جانب آخر قبيل الدخول نحو ما كان من المجهول
سأعرض الآن بعض الصور من الداخل وأرجو المعذرة فلم أرتب المداخل حسب طريقة السير ... وإنما اكتفيت بصور من ثلاثة مواقع تحت الأرض فقط ... وأعتذر عن نسخ شعار "نهاية الرحلة" مكرراً في هذه الصور ... وليس القصد من ذلك عدم رغبتي في استعارة أو نسخ هذه الصور ... بقدر ما هو مختص بعدم شرعيتها ... لذلك لم أرغب أن يستعين بها أو يستخدمها أحد في أمر إعلامي أو بحث علمي أو ما شابه ... لأني لا أملك أحقية نشري لمثل تلك الأمور بسبب منع تصويرها وحصولي عليها بطريقة غير مشروعة. لذلك أرجو المعذرة
صورتين لإحدى ممرات المقابر تحت الأرض تعود إلى أحد الفراعنة .. رمسيس الرابع كما ذكر ذلك ... لاحظ تلك النقوش على الجدران الصخرية الصلبة وتلك الألوان بقيت على حالها بسبب حفظ هذا المكان لها تحت الأرض ... طول هذا الممرر يزيد عن 50م وفي الداخل يوجد قبر وتمثال ... لم أتمكن من تصويره بسبب كثافة الناس ومراعاة لمشاعرهم ...
صورة مقربة ... تظهر زهوة الألوان التي مضى عليها آلاف السنين ..
جانب آخر تتجلى فيه رسومات يعتبرها البعض لغة الكتابة عند الفراعنة
في موقع آخر لمقبرة أخرى تحت الأرض لاحظ طول هذا الممر الذي يصعب تقديره ... فانا ألتقط هذه الصورة من منتصفه وهو يتدرج في ثلاث مراحل نحو الأسفل
صورة من الداخل ... انظر تلك الرسومات التي تعبر عن أمور لدى أصحابها ...
قد يرى البعض في مثل هذه الرسومات جمال لا يدركه البعض الآخر ... ففيها يتجلى البعد الزمني بين الحضارات
يعتقد البعض أن هذه المقابر محفورة في هذا الوادي الرسوبي ويعتقد البعض أنها مبنية من الحجر كالمعابد في الأقصر ومطمورة تحت الإرساب
الزميل خالد وهو يسير تأملاً وعجباً لما نراه
صورة من موقع آخر لإحدى تلك المقابر الأثرية
انظر كيف ترى كثافة النقوش والرسوم وتناسق الألوان والأحجام في هذا الممر الطويل الذي نهايته تمثال حجري ضخم .. لم نتمكن من تصويره لسبب ما
قد تحتاج هذه الرسومات كغيرها ... لقارئ تأريخي متمكن ليفسر رموزها وحكاياتها
بعد ذلك خرجنا من وادي الملوك ... وأخذنا نتجول حوله لاعتقادنا بأن تلك المنطقة الرسوبية لا تخلو من الآثار المدفونة ... وفعلاً كان عند حسن اعتقادنا ... ففي زوايا كثيرة منه تظهر تلك المباني الحجرية القديمة ... حيث انكشفت عنها الرواسب بفعل عوامل التعرية ... وأخرى بفعل التنقيب والبحث ... بل وجدنا قرية كاملة تسكن فوق قرية فرعونية مدفونة تسمى دير المدينة... بعض ساكنيها كانوا يستعملون ما خرج لهم من الأرض من تلك المباني ... ووجدنا بأن تلك القرية تحت عملية إزالة كاملة وترحيل لسكانها ... بعد تعويضهم بشقق سكنية متواضعة في مكان آخر بعد أن كانوا يسكنون على كنز عظيم من الآثار الحقيقية ... ووجدنا بعض المساكن مازال أهلها يقطنونها وينتظرون دورهم في هدم منازلهم وهم قلة ..
ومن العجائب أن الفضول حملنا إلى التعمق هناك ... وفعلاً خرجت من الطريق المسفلت مستخدما الدفع الرباعي وهذا نادر عندهم ... وتوجهت مباشرة نحوها ... وقد كانت آلات الهدم تعمل وهناك حراسة مشددة " شيخ الغفر" أو ما يسمى بالخفير ... تمنع دخول المنطقة ... وما علمنا بذلك إلا ونحن نقف قرب غرفة الحراسة التي تبعد عن الطريق الرئيسي قرابة نصف كيلومتر ... وإذا بهم يهرعون نحونا متسائلين ... فسبقناهم بقولنا - "صلحوا لنا كباية شاي ثقيلة"- لعلمي بطيبة ذلك الشعب الرائع ... فما كان منهم إلا أن قالوا : "تفضل يابيه" ... ثم سألونا كيف دخلتم ومن أين جئتم ... فقلنا من بلاد الحرمين ... وكيف جئنا ؟ من هناك ... فلما علموا أننا من المملكة العربية السعودية .... رحبوا بنا من جديد أهل بكم شرفتوا مصر يابيه ... .. وتعجبوا من وصولنا إليهم بل إنهم قالوا بأنه لم يسبق لهم أن رأوا سيارة سعودية تصل إلى هناك ... وكانوا غاية في الطيبة والكرم ... وفعلاً قاموا بإكرامنا ونسوا أن يخرجونا من المنطقة المحظورة ... فقمنا بالتصوير هناك ... وجلسنا نتبادل الحديث قرابة ساعة تقريبا حتى أصبح بيننا وبينهم كما يقولون " عيش وملح " ً .. وقد شكوا لنا سوء أحوالهم وضيق عيشهم الذي بدا لنا جلياً في كثير من أنحاء مصر ... حيث لا يتقاضون على عملهم الذي يستغرق 12 ساعة يوميا سوى 280 جنيها مصرياً أي ما يعادل 190ريال فقط والله المستعان ... ... ودعناهم بحرارة وانصرفنا ...
وإليكم صوراً من ذلك الموقع " دير المدينة " وبعض ما يرى حوله من آثار
انظر إلى هذا التل الواقع في دير البحري ... خروج وبروز تلك البنايات الحجرية تحت ركامه
سيارة محدثكم وهي تقف عند موقع الحراسة ... وأحدهم يعد الشاي بعد أن صعدنا عند غرفة حراسة أخرى فوق التل لالتقاط بعض الصور
التل وعليه غرفة الحراسة التي شربنا فيها الشاي وتمتعنا بجمال المنظر وبصحبة أولئك الكرام
منظر من جانب الغرفة ونشاهد فيه سهول النيل الفيضية وخلفها نحو الشرق المرتفعات الشرقية التي تحاصر الوادي شرقاً
أحد المعابد نحو الجهة الغربية من موقعنا وهو معبد حتشبسوت الذي يقابل معبد الكرنك ويشاهد منه رغم بعده عنه
صورة من المكان لمعبد رمسسيوم
صورة لما يعتقد أنه مخازن الغلال في معبد رمسسيوم
إخواننا أحمد ومحمد ومصطفى .. الحراس الذين رحبوا بنا وأكرمونا أيما إكرام ... يسر الله أمورهم ورزقهم وبارك لهم
صورة لتمثالا ممنون جوار الطريق
في الواقع أننا لم نشاهد إلا اليسير مما تختزنه مدينة الأقصر العظيمة ... ولمزيد من المعلومات حول الآثار هناك جعلت هذا الرابط لمن يرغب التزود ...
أهم الآثار الفرعونية بمدينة الأقصر
خرجنا من مدينة الأقصر ثم تجولنا في إحدى القرى بمدينة اسنا لنشاهد حياة الناس على طبيعتها حيث البساطة والحياة اليومية ... وقد سعدنا بمن قابلناهم وقابلونا ... تزودنا بعد ذلك بالماء والعصير لنواصل سيرنا نحو الجنوب ... نحو أسوان ... المرحلة الثالثة من الرحلة.
صورة أثناء مقابلتنا لبعض سكان القرية الريفية حول نهر النيل
المرحلة الثالثة
اسنا - ادفو - أسوان - السد العالي - أبو سنبل
خريطة توضح خطة السير من الأقصر إلى أسوان ومكان المبيت في الصحراء
توجهنا بعد أن خرجنا من مدينة الأقصر نحو الجنوب بمحاذاة نهر النيل ... وممرنا في طريقنا بمدينة اسنا وأدفو وفيها يوجد بعض الآثار المتفرقة ... واصلنا سيرنا حتى وصلنا مدينة أسوان عاصمة الصعيد ... التي تبعد عن الأقصر قرابة 190كم ... وقد وصلناها قرابة الساعة 8.30م ... وكنا متعبين بعض الشيء بعد جولتنا الطويلة خلال يوم كامل في مدينة الأقصر ... كان أول ما لفت أنظارنا في أسوان هو تنظيمها وجمالها في الليل ... وفوق ذلك تلك الفنادق العائمة التي تبحر كل يوم من أسوان إلى الأقصر عبر نهر النيل ... في منظر خلاب جميل ... وتعود في رحلة طولها ثلاثة أيام تقريباً ... وعندما رأيناها أردنا أن نأخذ بعض المعلومات عنها وعن كيفية الحجز فيها ... وفعلاً أوقفنا سيارتنا على ضفاف النيل ونزلنا إلى إحداها ... وقد أبهرتنا بما رأينه فيها من وسائل الرفاهية التي لا تعجبني كثيراً ... وقد كان سعرها في الليلة الواحدة يتراوح من 200 جنيه إلى 800 جنيه حسب فخامة المركب العملاق ... ولكن ما عابها كثيراً أنه لا يرتادها سوى الأجانب الغرب الذين يجعلون منها مكان غير محتشم وغير مناسب لنا ولعاداتنا وتقاليدنا ... وإليكم بعض الصور المختارة.
صورة ليلية لنهر النيل أثناء سيرنا من الأقصر إلى أسوان
لفت انتباهي على الطريق هذه اللافتة العجيبة التي لم أفهم معناه لولا سياق الكلام . الفتيس : القير
صورة للفنادق العائمة التي ذكرتها ... وهي سفن ضخمة تجوب النهر بين أسوان والأقصر
بعد أن أخذنا جولة سريعة في تلك السفن العملاقة ... اشتقنا إلى هدوء الغانية .. ذات الجمال الأخَّاذ ... تلك التي زُينت بلآلئ يهتدي بها الحائر الولهان ... إنها الصحراء التي تحوي كل الأفراح تذهب التعب عن الأبدان وتجلو من النفوس الأحزان ... وتقر بها أعين كل نعسان ... نعم إنها الصحراء التي تتجلى فيها عظمة الخالق المبدع ... توجهنا إليها من مدينة أسوان ... لنقضي ليلتنا فيها ومن ثم نعود في الصباح الباكر إليها ... وفي طريقنا نحو الصحراء ... بعد أن خرجنا بحوالي 5كم مررنا بنقطة تفتيش .. ونقاط التفتيش تسمى لديهم "بالكمين" ... وكانت الساعة بين التاسعة والعاشرة ... فوجدنا النقطة مغلقة بحاجز ... استخدمنا المنبه عدة مرات حتى خرج لنا أحدهم مستيقظا من نومه يحمل فانوساً قديما يعمل بفتيل يشتعل بوقود القاز ... فأتا إلينا ... وسأل ماذا تريدون ... فعجبنا له وقلنا نريد المرور ... قال من أين قلنا من مكان بعيد من المملكة ... فعاد ينادى زملائه الآخرون ... فاتا إلينا رجل آخر أعتقد أنه أكثرهم ذكاءً وحنكة ... أعاد السؤال ، فأعدنا الجواب، فقال من أي مكان بالسعودية فقلنا من الدلم ... فقال أنتم أحسن ناس ... فقلت : لن نكون أحسن منكم إن مررنا ... فطلب جوازاتنا ورخصة السير المصرية التي أعطيت لنا عند الدخول ... فأخذ يقلب الجوازات ويعجب ثم يعود ويسأل : " أنتو قاين منين ؟ " فقلت من السعودية ... قال : " أنا عارف بس من أنه حته دخلتوا " فقلت : من الغردقه . قال : " إزاي " فلم أجد له جواباً بعد ذلك .... غير أني قلت له : نحن جئناك بدون إزاي !!!...
الرجل أخذ يذهب يستشير زملائه ويقفون مجتمعين يقلبون جوازات السفر وكأنهم في حيرة من أمرهم ... عاد إلينا وقال : كيف أنت موجودون هنا وأنت الآن في الغردقة ؟ !!!! فعجبت له وقلت لم أفهم ... قال : " إزاي الختم إلى على الباسبورت بيقول إنك لسا ما طلعتش من الغردءه ... هو مختوم بتاريخ 3 /12 واليوم 4 / 12 ... مش عارف كيف وصلت هنا ... أنت مش موقود دي الوقت هنا ... ) ضحكت وأيقنت أنه لم يستوعب سرعة وصولنا إلى هنا فكيف به لو علم أننا قضينا طوال نهارنا نتجول في أرجاء مدينة الأقصر ... فحاولت أن أشرح له فلم يفهم ... لأنه كان يعتقد أن المسافر سيحتاج على الأقل 3 أيام ليصل من الغردقة إلى أسوان ... وبعد جهد جهيد لم يقتنع إلا أنه احتار فجميع أوراقنا رسمية وصحيحة .... فقلت له : هل الأوراق صحيحة قال نعم ... قلت إذا لا يحق لك أن تأخرنا فافتح لنا الطريق ... قال : " وماله " وفتح الطريق ... وسألنا إلى أين ذاهبون ... فقلنا إلى مدينة حلايب ... قال بعيدة ... قلنا نعلم ، فهي تبعد مسافة تزيد عن 200كم ... ونحن لم نكن نقصدها وإنما من باب التمويه فلو قلنا أننا ذاهبون للنوم في الصحراء فقد يغمى عليه من شدة التفكير ليستوعب ذلك .... والعجيب أن الناس ليلاً لا يسافرون في تلك المناطق عبر طرق الصحراء إلا القليل ... سرنا بعد النقطة قرابة 10كم ثم انحرفنا عن الطريق حوالي 6كم ، أعددنا عشائنا وتناولنه وأبحرنا في نوم عميق تحت لألئ السماء ... ونسيت أن أذكر لكم كيف هو المناخ في الصحراء هناك في فصل الشتاء ... النهار دافئ ... والليل معتدل إلى بارد ... والجو صاف جداً بشكل لم نعتده.
صلينا الفجر وفي الصباح الباكر عدنا أدراجنا نحو مدينة أسوان ... وعندما مررنا بنقطة التفتيش ... وجدناها مفتوحة ... وصاحبنا اكتفى بالنظر في تعجب واستغراب .. وحال لسانه " يانهار اسود " ... لعله يحتاج إلى وقت ليفهم كيف عدنا بهذه السرعة ...
محدثكم في الصباح الباكر ... لم أرى أنظف من هذه الصحراء التي لا يطير منها الغبار ... ولا توجد بها الأشجار
صورة عابرة أثناء عودتنا لنقطة التفتيش التي مررنا بها ليلاً
دخلنا مدينة أسوان ... فدهشنا لما رأينا فيها من غرابة المنظر وجمال التقاء الصحراء بالنهر ... وقبل أن أسهب في ذلك المشهد .. مررنا بالكثير من الآثار فيها كالمقابر الفاطمية ومعبد الفيلة وغيرها... ولم نشأ أن ندخلها لأنها لا تعدوا أن تكون مزارات للعبادة الخاطئة ... ولا يوجد ما يميزها سوى قدمها ... والله المستعان ... وجدنا الكثير من المقابر في مصر حتى الحديثة منها يبنى عليها القباب ... ويتبرك بها... ويدعى أهلها من دون الله ... وهذا خلاف لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نهى أن تتخذ القبور مساجد وأن تعبد من دون الله ... وخلافا لما كان عليه أصحابه من بعده ... بل فيه شرك بالله سبحانه وتعالى ... وذلك ناتج عن جهل بتلك المسائل الفقهية في العامة منهم ... ولا أعمم فلله الحمد هناك من هم على الحق والصراط المستقيم .... ولكن أين الدعاة الذين تحتاجهم تلك الجموع الغفيرة المتعطشة لفهم ما خفي عنها من أمور دينها ....
صورة التقطناها أثناء سيرنا على الطريق ... للمقبرة الفاطمية الأثرية ... ونلاحظ البناء والقبب التي تعلوها
مررنا مصادفة بهؤلاء التلاميذ المؤدبين مع أستاذهم الكريم وقد خرجوا في رحلة مدرسية .. في يومهم الأخير قبل إجازة عيد الأضحى ...
وقد عمدت أن أقف وأشاركهم ولو لدقائق معدودة هذه الرحلة ... وقد رحبوا بنا أيما ترحيب .. وسألونا من أين وقلنا لهم من بلاد الحرمين .. فبدت عليهم ملامح البهجة والسرور ... فشكرناهم لذلك لتبقى تلك صورة خالدة في أذهاننا وأذهانهم ... ويا أعزائي القراء لا أذكر مثل هذا الموقف إلا لأذكركم بأن من الواجب على كل مسافر ومغترب أن يكون سفيراً لبلاده في نقل الصورة الحسنة صورة التواضع والرحمة والود والإخاء ... فو الله لذلك أثر بالغ في نفسك ونفوس من تقابلهم ...
وفي موقف آخر أحزننا كثيراً ما سمعته من أحدهم عندما مررت بحي خالد بن الوليد في أسوان ... وتوقفنا لشراء الخبز ... حيث سألنا أحد المارة من أين ؟ فقلت من السعودية . فما كان منه إلا أن رد بقوله : ( إحنا بننداس تحت القزمة عندكم في السعودية ) ... فدخلت معه في حديث لطيف ... وأخبرته أن ما وصلك قد يكون حالة شاذة ... وإلا لما وجدتني بينكم الآن آكل خبزكم وأسمع منكم وأبادلك الحديث ... لو كان الجميع كما تصف أتظن أنني سأستمتع بالحديث معك والنقاش معك والجلوس بجانبك كما هو الآن ... ، فما كان منه إلا أن قال : أستغفر الله ... معليش يا شيخ ... وأخذ ينادي صاحب المقهى جوار المخبز ... كباية شاي على حسابي ... ، وما كان منه إلا أن ودعنا ونحن نغادر المكان بعد إلحاح منه أن نتفضل بزيارته .... أسأل الله أن يحسن نوايانا وأن يجعلنا دوماً سفراء ننقل صورة حسنة لبلادنا قبلة المسلمين ... وأن يهدي شبابنا الذي أساء إلينا دون قصد منه إتباعا لشهوات وملذات لا تقوده إلى خير أبداً.
صورة من حي خالد بن الوليد والمخبز حيث حصل الموقف السابق ذكره
بعد ذلك توجهنا إلى نهر النيل في أسوان ... لنشاهد جمال المنظر وكيف أن المرتفعات زاحمت النهر على المكان ، وضيقت عليه الخناق حتى اختفت المزارع وتحول الناس إلى صيادين وبحارة وسماسرة سياحة ... وقد استأجرنا مركباً وأخذنا جولة نهرية استغرقت بنا قرابة ساعتين ... زرنا خلالها حديقة النباتات ... وجزيرة النوبة النهرية ... وقد كانت أجرة ذلك المركب زهيدة جداً فلم تبلغ في قيمتها 15% من قيمة مركب مدته ربع ساعة في شواطئ الهاف مون.
سأترككم مع الصور والتعليق أسفل كل صورة
صورة لنهر النيل .. ونلاحظ صفاء مياهه بسبب قربه من مصب السد العالي
صورة للمرفأ النهري الذي استأجرنا منه القارب الذي أقلنا في جولة جميلة داخل النهر
محدثكم في القارب الذي استأجرنا والذي يتسع لـ 25 راكباً
صورة لإحدى السفن الفندقية العائمة التي تجوب النهر أثناء جولتنا
لاحظ التقاء المرتفعات بالنهر وتضيقها له .. ولاحظ في الأعلى آثارا فرعونية مدت منها طرق إلى النهر ... تسمى مقابر النبلاء
جزيرة يطلق عليها حديقة النباتات تحوي العديد من النباتات العالمية
عند مدخل الحديقة النباتية بأسوان
يوجد في الحديقة متحف للنباتات يحوي مئات الأنواع العالمية المجففة ... يتهافت إليها علماء وعشاق النبات
ستعجب مما ستراه من النباتات الغريبة والعملاقة
عظمة الله تتجلى في خلقه ... جذع شجرة غريب جداً
معظم النباتات من بيئات مختلفة من العالم يغلب عليها الاستوائي والمداري وشبه المداري
محدثكم يتفقد آلة التصوير ويعجب من بعض الصور للزميل خالد
الجهة الغربية من جزيرة النباتات ونشاهد ضفة النهر الضيقة
في نهاية الحديقة يوجد هذا المقهى الذي يقدم الشاي والقهوة والعصير حيث مكثنا فيه بعض الوقت
مسجد وقصة ( مسجد الأغا خان )
أثناء جلوسنا في مقهى الحديقة لتناول الشاي ... لفت انتباهنا مسجد قد بني من الحجر على تل مرتفع من الجهة الغربية للنهر ... وهذا المسجد لم يعمر كالمساجد الأخرى ... فهو لا يعدو أن يكون ضريحاً لرجل يدعى الأغا خان ... وقصته كالتالي :
الأغا خان : كان رئيس الطائفة الإسماعيلية الشيعية ... وكان من أثرياء رجال العالم في فترة الخمسينات ... وقد عانى من مرض في عظام قدميه ... وفي إحدى زياراته لمصر زار أسوان ... واشتد به المرض وذهب إلى أعلى قمة حول النهر يريد الانتحار ... فسقط مغمى عليه .. وحمل إلى الطبيب الذي أكد له بعد الكشف أنه شفي من مرضه ... فاعتقد الرجل أن الرمال هناك أثرت عليه وشفته من مرضه ... فقرر شراء ذالك الجبل أو التل من الحكومة المصرية وبالفعل تم الشراء ... فبنا مسجد هناك وأوصى أن يدفن بعد موته فيه ... وقد توفي عام 1957م ودفن فيه ... ولحقت به زوجته التي أوصت كذلك أن دفن معه في المسجد .. وزوجته فرنسية أسلمت على مذهبه وسمت نفسها البيجوم أم حبيبة ... وقد تولى رئاسة الطائفة الإسماعيلية ابنه ثم حفيده الآن كريم خان الملقب بالأمير كريم خان.
صورة جميلة لأهالي النوبة الذين يستخدمون الإبل في حياتهم على ضفاف النهر من الجهة الغربية
صورتين أثناء التفافنا حول جزيرة النوبة
بعد أن عدنا إلى المرفأ النهري ... توجهنا نحو السد العالي جنوب مدينة أسوان ... الذي طالما سمعنا عنه وعن بحيرة ناصر التي تنسب لجمال عبد الناصر ... أكبر بحيرة صناعية في العالم تقبع خلفه ... وكنت أعتقد أن هناك حراسة مشددة للمرور فوقه ... ولكن مع الأسف الشديد توجد بوابة مررنا بها دون أن يحدثنا أحد ... والحمد لله الأمن متوفر ... ولكننا عندما صعدنا ذلك السد العظيم ... وانتصفنا فوقه ... وصرنا نرى تلك البحيرة العظيمة خلفه والتي تمتد لأكثر من 300كم وترتفع بكثير عن الجهة المقابلة حيث مصب النهر ... أدركت الخطورة الكبيرة التي يشكلها هذا النهر ... حمى الله تلك البلاد وبلاد المسلمين من كيد الأعداء والمفسدين ... وأما الحافلات السياحية ... فيتم إخراج السياح منها وتمريرهم عبر غرفة كشف ... خلاف المركبات الصغيرة ...
و أغضبني عندما وصلنا إلى أعلى أن التصوير بكاميرا الفيديو ممنوع ... وبالفوتوغرافي مسموح ... ومع ذلك تمكنت من أخذ الصور على عجالة بكلتيهما .
صورة للجهة الشمالية حيث يواصل النهر سيره بعد أن يخرج من جوف السد محركاً تربينات الكهرباء
صورة لجزء من محطة توليد الكهرباء من مياه النهر التي تتدفق من جوف السد .
صورة لأكبر بحيرة صناعية في العالم ... بحيرة ناصر ... خلف السد العالي ... تمتد لأكثر من 300كم
صورة لجزء من سطح السد ... ونشاهد إلى اليسار الحافلات وغرفة مرور السياح الأجانب
بعد ذلك خرجنا من منطقة السد العالي متجهين إلى مدينة أبو سنبل الواقعة قرب الحدود المصرية السودانية ... وقد تزودنا بوقود إضافي تحسباً لعدم توفر الوقود المطلوب ... حيث أن كثير من المناطق النائية يتوفر بها البنزين 80 أكتاين وهو لا يناسب سيارتنا ... بينما يتوفر الوقود 90 و 92 أكتاين في معظم المدن الأخرى ... و 95أكتاين فقط في المدينة الكبيرة كالقاهرة والإسكندرية ... ولله الحمد لم نحتج للاحتياطي الذي أخذناه ... فقد وجدنا وقود 90 متوفراً في جميع المدن ... ولكن مررنا بمسافات تزيد عن 400كم دون محطات وقود ... وقد لاحظت على وقودهم شيء من الاقتصادية ... وسعره معقول جداً ... فسعر اللتر للـ 80 = 75 قرش وللـ 90 = 175 قرشاً وللـ 92 = 185 قرشاً ، وللـ 95=280 قرشاً تقريباً ... وقصدت بأنه معقول جداً إذا ما قورن بالدول الأخرى عدا المملكة وفنزويلا ونيجيريا ...
سرنا من السد العالي إلى مدينة أبو سنبل مسافة 260كم في الصحراء القاحلة ... والعجيب أنها صحراء خالية تماماً حتى من محطات الوقود ... حيث لم نجد إلا واحدة متهالكة ... ويسمون المناطق بأسماء الكيلومترات التي يقطعها الطريق ... فليس عندهم كما عندنا أسماء للبراري والتلال والشعبان ... فهم شعب لا يجوب الصحراء أبداً .. إلا ما ندر عدا سيناء ومنطقة جبال البحر الأحمر ... لذلك لا تجد أثاراً في الصحراء وطرقاً للسيارات كما نشاهده في صحارينا ... والسبب أن الصحاري الغربية من مصر قاحلة جداً فالأمطار لا تسقط إلا نادراً وخلال سنوات عدة ...
صور من الصحراء في الطريق إلى أبو سنبل ... صحراء قاحلة لا يوجد فيها بصيص للحياة النباتية أو الحيوانية
المحطة التي مررنا بها على الطريق خلال 270كم يطلق عليها محطة كيلو ... .
في الطريق لم تخلوا أراضي مصر من أثار الفراعنة ومعابدهم ... لافتة لمعابد نحو البحيرة ... صورت من الاتجاه المعاكس
في الطريق ممرنا بمشروع تشكى المشهور حيث بعض المستثمرين كـ الوليد بن طلال والراجحي والخريف ... يملكون ألاف الأفدنة الزراعية التي يصدر إنتاجها من الفول السوداني وغيره إلى أسواق أمريكا وأوروبا ... وقد سحبت قنوات ري من بحيرة ناصر ... وحفرت أبار ارتوازية تسقي تلك المزارع العملاقة
إحدى اللافتات للمستثمر السعودي الراجحي الدولية
وصلنا إلى مدينة أبو سمبل قرابة الساعة الرابعة عصراً ... وهي مدينة جميلة وهادئة على ضفاف البحيرة قرب الحدود مع السودان ... وهذه المدينة تشتهر بوجود معبد فرعون موسى ... رمسيس الثاني ... والعجيب في ذلك ليس المعبد أو التماثيل فقط ... وإنما قصتها ونقلها من قاع البحيرة إلى الضفة أثناء بناء السد ...
عندما شرعت مصر في بناء السد مع شركات روسية ... تبين لهم أن البحيرة ستغمر كنزاً عظيماً وأثراً فريداً من نوعه ... وهو أكبر تمثال في مصر بعد أبو الهول ... وهو تمثال يعود إلى فرعون مصر الذي ذكر في القرآن الكريم كما يقولون ... رمسيس الثاني ... فقد بنا معبداً ضخماً ... وبجواره آخر لزوجته ... منحوتاً في جبل عظيم ... فاضطرت الحكومة إلى نقل ذلك المعبدين كاملين بجبليهما إلى بر الأمان ... وذلك عن طريق تقطيعهما إلى مكعبات يسهل حملها ونقلها ... وقد رقمت بدقة وعناية فائقة ... ثم نقلت خلال فترة بناء السد وأعيد تركيبها وعادة كما كانت ... والمكان الذي ركبت فيه ... يبعد عن موقعها الحقيقة 300م ويرتفع عنه 100م كما ذكر لنا ذلك ... وقد دهشنا لما رأينه من آثارٍ ومن عظيمِ إنجازٍ في إنقاذها ....
وكالعادة دفعنا رسوما مقدارها 4 جنيهات للدخول ... وأترككم مع الصور ... علماً أن التصوير من الداخل ممنوع ... وبعد عناء وحرص شديدين تمكنا من جلب الصور الثابتة والمتحركة من داخل المعبدين ...
أوقفنا سيارتنا قرب المدخل ... وتبدو بحيرة ناصر في الخلف وسط الصحراء القاحلة
قبل الدخول يوجد سوق صغير للتبضع ... اشترينا منه قبعتين لتقينا من وهج الشمس حيث الجو يميل للحرارة قليلاً
الجبل الأول الذي نحت فيه تمثال فرعون ومن معه ... لاحظ الجبل وهو مقسم إلى مكعبات بعد نقله .. وهو يطل على البحيرة
أثناء التفافنا حول الجبل ...
الزميل خالد ما بين ضاحك ومندهش لم يراه من حوله
أصنام وتماثيل لم تغني عن أصحابها شيءً تقف شاهدة على هلاك صاحبها ... وآية لمن بعده
من يصدق أن هذه تنقل بكاملها بهذه البراعة ... فراعنة اليوم نقلوها
بعد ذلك دخلنا المعبد وقد تم تحذير السياح عند المدخل من التصوير بجميع وسائله ... ولأنه لا يوجد عربي غيري أنا وزميلي خالد افترضت أن التحذير للعامة ... ونحن لسنا منهم ... وسرت على قاعدة من له حيلة فل يحتل ... وليس ضرر ولا ضرر من ذلك ... وإن احتدم الأمر فالعلاج يسير ... وقد التقطت بعضا من الصور باستخدام نظام التصوير الليلي الذي لا يحتاج إلى إضاءة أو فلاش بقدر ما يحتاج إلى هدوء وعدسة ذات حاجب واسع ... .. ويجري على هذه الصور ما يجري على الصور السابقة في وادي الملوك من تنويه ضد النسخ والنقل ... بسبب فقداني لشرعية تصويرها .
بصعوبة التقطها من الداخل ... لاحظ النقوش واتساع المكان وتماثيل صخرية عملاقة
العجيب أن ما تشاهدونه أعيد تركيبه بعد تقطيعه إلى ألاف الأجزاء ليعود كما كان من قبل
صور من الداخل حيث تتشعب الممرات التي تحيط بجوانبها النقوش والرسوم الكثيرة
محدثكم بعد خروجه من الداخل ... يحمل مفتاحا ثقيل الوزن وضع بجانب الحارس
مشهد البحيرة مباشرة بعد الخروج عند بوابة المعبد
إلى جواره يوجد جبل آخر متصل به فيه معبد لزوجة فرعون ... ونلاحظ أثار التركيب عليه
صورة للمعبد من الأمام ... وتبدو التماثيل واقفة خلافاً للسابق
محدثكم أمام بحيرة ناصر قبل مغادرة الموقع
بعد ذلك تجولنا في مدينة أبو سنبل ... وصلينا فيها المغرب والعشاء قصراً وجمع تقديم ... واشترينا منها بعض الفواكه والخضار والجبن البلدي والخبز الطازج ... والتقطنا فيها بعض الصور العامة ... وتوجهنا خارجين منها نحو وجهة جديدة ومختلفة ....
صور عامة من مدينة أبو سنبل ... الأخ خالد وهو يشتري بعض حوائجنا
خرجنا منها بعد غروب الشمس بنصف ساعة ... وتوجهنا إلى الصحراء باتجاه الغرب ... عبر طريق يسمونه بطريق درب الأربعين ... لأنه يفرق من الطريق الرئيس بعد أربعين كيلومترا من مدينة أبو سمبل ...
تنويه : والجدير بالذكر أن جميع بيانات الخرائط للطرق جنوب وغرب مصر الموجود في خرائط الأطالس والخرائط التي تباع في المكتبات ... هي بيانات كاذبة وخاطئة ... حيث رفعت طرق وهمية وأسماء وهمية لا وجود لها ... ولم تذكر أو ترسم أي طرق أو مدن موجودة على أرض الواقع باستثناء الطرق والمدن الواقعة على النيل وشمال وشرق مصر ... والقليل في الواحات ..
لذلك يتوجب على من يحبذ السفر في صحاري مصر أن يرفع خرائطه مباشرة من موقع قوقل إرث ... وقد رسمت في رحلتي هذه طرقا ليس لها وجود على الخرائط ولا على أجهزة الملاحة ... وكنا نقابل أناساً في الطرق الصحراوية نسألهم عن مدن نصلها على الخريطة ... فينكرون وجودها لأنها وهمية ... ولا أعرف سبباً لتلك الأخطاء الوخيمة في البيانات الطبوغرافية والبشرية هناك...
المرحلة الرابعة
درب الأربعين - شرق العوينات - شرق الصحراء الكبرى - الواحات موط .. سهل الزيات .. خارجة
أيام الشتاء تمتاز بطول ليلها ... الأمر الذي دفعنا بأن نسير ليلاً باتجاه الغرب ... قاصدين الصحراء الغربية من مصر والتي هي الجزء الشرقي من الصحراء الكبرى ... وكنا نسير وفق مخطط تم حذفه بسبب البيانات الخاطئة في الخرائط ... حيث سرنا باتجاه الغرب والجنوب الغربي قرابة 300كم دون أن نصادف طرقاً كنا نراها على الخريطة ... وقرى نسير نحوها ولا نجدها ... الأمر الذي دفعنا إلى مراقبة السيارات القادمة ... والتي كانت تمر الساعات دون مقابلتها ... فكأنه لا يسير غيرنا على تلك الطريق ... وبالفعل بعد مرور ساعتين ... قابلتنا قافلة مكونة من 3 سيارات متباعدة ... فكنا نريد أن نسأل عن وجهة هذه الطريق التي تحاذي بنا حدود السودان نحو الغرب ... حاولنا إيقاف السيارة الأولى لكنه أوجس خيفة فزاد من سرعته وهرب بدلا من أن يقف ... والثاني كذلك ... فاضطررنا أن نوقف الثالث بالقوة ... حيث توسطنا الطريق ونحن نقابله ... وأخذنا نكبس له بالنور العالي وبمصابيح هولجين يدوية حارقة ذات مدى عالي ... ولعله اعتقدنا رجال أمن فتوقف وهو على وجل ... وكانت سيارته من نوع ميكروباص 15 راكباً حديثة الصنع ... محملة بالركاب ... ولما بادرته بالسلام ... ونظر إلينا أضأت الإنارة الداخلية لدينا ... ليطمئن وفعلاً رد السلام وتنفس الصعداء ... وسألناه الكثير من الأسئلة وتعجب من القرى التي نسأل عنها وأنه لم يسمع بها أبداً... وبالفعل وصف لنا الطريق وكيف يسير وإلى أين وكيف يعود ليلتف نحو الواحات ... شكرناه ومن معه على المساعدة ... وواصلنا سيرنا ... وبعد قليل رأينا شاحنة متوسطة الحجم لنقل الوقود ... فأوقفناها لنستزيد ونتأكد من خطة سيرنا الجديدة ... وكان رجلاً طيباً ... ولحسن الحظ أنه يجوب كثيراً من الطريق مروراً بمحطات الوقود .... وقد أخبرنا بأنه أمامنا على بعد 40كم حرف T في قلب الصحراء ... إلى اليمن طريق مغلق مكسر ... وإلى اليسار الطريق الذي يجب أن نسلكه ... لنصل إلى أول منطقة عمرانية تبعد عن أبو سمبل أكثر من 470كم وهي قرية ( شرق العوينات ) الزراعية ...
وبالفعل سرنا المسافة المحددة ووصلنا إلى حرف T ... وكان خلف حرف T مركز حرس حدود ... فدخلنا عليهم وأيقظناهم بصوت المنبه ... لنأخذ بعض المعلومات عن الطريق الذي أغلق نحو اليمين لأنه بدا لنا أنه أقرب إلى وجهتنا من ذلك الذي سيأخذنا جنوباً نحو حدود السودان ثم غرباً ... حضر حارسا الحدود وأعتقد أننا كدرنا عليهما نومهما ... وحصلنا منهما على كل ما نريد فالطريق إلى اليمين مغلقة تماماً ولا تصلح للسير أبداً ... وبالفعل هي تختصر الكثير ... وقد نزلنا لديهم في تلك الصحراء الجميلة بليلها الهادئ ... ومكثنا لديهم بعض الوقت نتبادل الحديث ... فقد كانا شابين أعمارهم دون الثانية والعشرين من العمر ... يقضون خدمة الجيش الإجبارية في هذا المكان المقطوع عن العالم ...
بعد ذلك سرنا نحو الجنوب باتجاه مدينة شرق العوينات ... وقبل أن ندخلها بمسافة 20كم توقفنا وانحرفنا نحو الصحراء الهادئة باتجاه الحدود الوهمية للسودان ... لنقضي ونبيت ليلتنا في أبعد ما يمكن عن مناطق المدنية في مصر ...
خريطة توضح سيرنا في الصحراء .. ومكان المبيت قرب الحدود السودانية
بعد توقفنا حيث ننوي المبيت .. نشاهد 50 لترا من الوقود الإضافي حملناه معنا ...
بعد الفجر قبيل شروق الشمس ... وقد أشبعنا جو الصحراء نوماً نستيقظ لنواصل رحلتنا في الصحراء الكبرى
في الصباح توجهنا نحو شرق العوينات ... وكانت منطقة زراعية تعتمد على المياه الجوفية ... وهي عبارة عن قرية صغيرة ذات استثمار زراعي يقدر عمرها بـ 20 سنة أو أقل .. تقع إلى القرب منها العديد من المزارع الحديثة ... تتميز بهدوئها ... وبرخص أسعار الطعام والخبز بها ...
صور عامة من شرق العوينات ... نلاحظ عليها الطابع الزراعي
اشترينا هذه المجموعة 16 رغيفاً من الخبز البر بحنيه واحد فقط .. أي بـ 70 هللة
واصلنا سيرنا بعد أن تزودنا بالوقود .. نحو الجهة الغربية ... ثم الشمال الغربي لندخل في عمق الصحراء ... ونسير قرابة 410كم حتى نصل إلى أقرب عمران وهي الواحات داخلة وموط وقصر ... وقد سرنا طول تلك المسافة ولم تقابلنا أي سيارة إلا واحدة كانت قادمة من المزارع القريبة من شرق العوينات قبل توغلنا في الطريق نحو قلب الصحراء ... انحنى بنا الطريق حتى أصبحت الحدود الليبية كما هي ظاهرة على جهاز الملاحة تبعد عنا قرابة 280كم فقط ...
وعن الصحراء .... فإنها قاحلة شديدة الجفاف ... لم نرى طوال الطريق أي آثار للحياة لا نبات ولا حيوانات برية سوى بعض طيور الحجل التي نراها مابين آونة وأخرى حول الطريق ... والعجيب أننا لم نرى شعابا ولا أودية ولا آثاراً تدل على أنه كانت تسقط أمطار على تلك الصحراء .... حتى سألنا عندما وصلنا فأخبرنا سكان الواحات أن المطر نادر جداً وتمر عليهم سبع سنين دون أن يروه ... وإذا جاءهم فهو قليل ... ونادر ما تسقط الأمطار الغزيرة ... والصحراء نظيفة جداً جداً ... إلى درجة أن الغبار لا يثور ولا تتسخ الملابس من أرضها ... فقد توقفنا للراحة تحت ظلال سحب السمحاق المتقطعة ... وكان الجو معتدلاً والمكان جميل بخلوه وهدوئه ... والشمس هادئة غير محرقة ضعيفة الإشعاع والوهج ...
صورة أثناء سيرنا بعد خروجنا من شرق العوينات بحوالي 70كم
صورتين أثناء توقفنا للراحة بعد سيرنا قرابة 200كم ... ونلاحظ كيف أن الصحراء جرداء ونظيفة
صورتين من الطريق نحو الواحات بعد خروجنا من شرق العوينات بحوالي 300كم
عندما اقتربنا من الواحات ظهرت بعض التضاريس في الصحراء وهي مرتفعات رسوبية متفرقة ... استمرت مسافة 100 كم حتى وصلنا الواحات وبدت لنا هناك هضبة ممتدة من الشرق إلى الغرب تحيط بالواحات من الشمال .... دخلنا بداية واحة موط .. داخلة ... وتليها نحو الشمال الغربي واحة قصر ..، وهنا تفرع الطريق إلى جهتين ... جهة تواصل سيرها نحو الشمال الغربي باتجاهه واحات الفرافرة ... ومنخفض القطارة ... وأخرى تعود شرقا نحو واحات خارجة ... بعد أن قضينا وقتاً كافياً في واحة موط توجهنا نحو الشرق ... بهدف المرور بواحة خارجة ثم العودة إلى وادي النيل ... شمال موقع بداية لقاءنا به ....
خريطة توضح سيرنا في منطقة الواحات .. والعودة إلى وادي النيل
صور للأرض الزراعية الخصبة في الواحات
صور متفرقة من واحة موط ...
بعد أن خرجنا من واحة موط توقفنا لأداء صلاة العصر والظهر جمع تأخير ... ثم سرنا حتى منتصف الطريق وتوقنا في قرية صغيرة تدعى قرية سهل الزيات ... والسبب أننا شاهدنا أنبوب ماء ارتوازي وبركة ... فتذكرنا المزارع في بلادنا وحبذنا أخذ حمام سباحة منعش ... وإعداد الشاي .. وكان ذلك قبيل صلاة المغرب ... وفي تلك الأثناء مر بنا مزارع كبير السن ... يدعى الحج عبد العزيز ... وألح علينا إلا أن ننزل في ضيافته ... فشرحنا له حالنا وما كان من أمرنا وطول رحلتنا وحاجتنا للوقت ... فرفض إلا أن نتناول معه ولو كوباً من الشاي ... وكان ذلك كرم نابع من عادات وتقاليد أولئك المزارعين ... خلافاً للمدن ... لاسيما أنه علم أننا عابري سبيل ... وقد لبينا له رغبته ... وأكرمنا أيما إكرام وسعدنا بلقائه مع أبنائه الثلاثة المعلمين علاء وإخوانه ... في ذلك المنزل الريفي المتواضع ... وقد كان بيننا وبينه كما يقول المثل المصري "عيش وملح " .. كنا مستعجلين حين لبينا ضيافته إكراماً له وطيباً لخاطره ... وبالكاد سمح لنا بالانصراف ... وقد أهديناه شيء من التمر الذي حملناه معنا ... حفظهم الله وأجزل لهم العطاء والنعم.
صورة لأحد صخور الخفاف حيث توقفنا لأداء الصلاة ... وقد عجبت لوجوده منفرداً في هذه الصحراء
البركة الارتوازية حيث حمام السباحة المنعش ... وموقد الشاي بجانب السيارة
صورة محدثكم مع الحج عبد العزيز وأبنائه الكرام حفظهم الله وشكر لهم حسن ترحيبهم وضيافتهم لنا
لافتة للقرية الريفية عند خروجنا منها كتب عليها اسمها
محطة وقود أثناء تزودنا في واحة خارجة التي وصلنا إليها بعد العشاء لتكون مجرد نقطة عبور لنا
أحد المقاهي على الطريق من خارجة إلى أسيوط
سرنا بعد ذلك حتى اقتربنا من منطقة حوض وادي النيل ... وقبل أن نصله بمسافة 20كم توجهنا عند الساعة 9.30م نحو الصحراء التي كانت تؤوينا كل ليلة كالأم الحنون ... لنبيت ليلتنا تلك في جو هادئ وصاف ... لا يكدره مكدر أو يشوبه شائب.
والعجيب أن حكومة مصر تقوم بحراسة أبراج الاتصالات الجوال والميكروويف .. وذلك بوضع حارسين من المناطق المجاورة ... يحملان رشاشين ويلبسان اللباس البلدي الجلابية والعمامة .. لباس أهل الصعيد ... ونحن عندما اخترنا مكان المبيت كان بالقرب منه على مسافة 800م برج في الصحراء ... لم ننتبه له ... الأمر الذي أشغل حراسه بنا طوال الليل ... فعند الصباح أتى إلينا أحدهم ونحن على وشك الرحيل .. وهو يحمل بندقيته ... وقد بدت عليه علامات الوجل ... فلم يسبق لهم أن رأوا أحدا ينام في العراء مثلنا كما علمنا ذلك منهم لاحقاً .. سألنا عن أمرنا فأخبرناه وتعجب .. قلنا له لماذا لم تحضروا البارحة ليلاً لما رأيتمونا ... فأجاب الخوف منعهم من ذلك ... رحب بنا بعد ذلك وطلب أن يستضيفنا فاعتذرنا ... وانصرفنا ...
بعد ذلك مررنا ببيت قش جانب الطريق الصحراوي لعائلة فقيرة يعمل عائلهم في حراسة البرج ... - فتذكرت ( العشش قرى نسيها الزمان ) -... قمنا بزيارتهم وشاهدنا حالتهم التي يرثى لها ... حيث الأطفال والنساء داخل بيت القش ... يحصلون بعد الله على بعض رزقهم من خدمة المارة على الطريق بتقديم ماء الشرب والشاي لسائقي الشاحنات ... أعطيناهم شيء من التمر ومما أوجبه الله علينا تجاههم ... وانصرفنا ونحن نستشعر نعمة الله علينا وعلى ذوينا وأحبابنا... فتح الله لهم أبواب الرزق والسعادة ..
بيت القش والبرج خلفه ... وتظهر بجانبه كراسي استراحة المارة
المرحلة الخامسة
أسيوط والنيل إلى القاهرة
اقتربنا من مدينة أسيوط على وادي النيل وقبل أن نصلها ... مررنا بمصانع أسمنت وأخرى لم نعرف ماهيتها على الضفة الغربية ... وقد عملت هذه المصانع على تلويث شديد للمدينة وللريف الجميل ... إلى درجة أن المارة ممن لم يعتد على ذلك التلوث الشديد سيشعر بالاختناق الذي شعرنا به وهو اختناق حسي ومعنوي ...
تجولنا في مدينة أسيوط وتناولنا وجبة إفطار على إحدى ضفاف النهر .. لا أستطيع أن أصف مذاقها ... وكان أبرز ما يمز تلك المدينة بعد كثرة المصانع جامعة أسيوط الكبيرة التي مررنا بها على عجالة ... ثم توجهنا بعد ذلك عبر الطريق الزراعي بمحاذاة نهر النيل نحو الشمال لنقطع عباب الريف ومدن النيل إلى القاهرة التي تبعد عنا حوالي 400كم .. مروراً بالعديد من المدن مثل منفلوط وديروط والمنيا و والفيوم ... وغيرها ... ولأن طبيعة بيئتها شبه واحدة حول النيل ... اكتفيت بعرض بعض الصور لبعضها ...
صورة من مدينة أسيوط لإحدى قنوات النيل ... لاحظ شدة التلوث نحو المناطق القريبة من المصانع
صورتين من مدينة أسيوط ... المنطقة الحضرية
صورة عامة من مدينة منفلوط لجزء من نهر النيل
من الأشياء العجيبة وصول عربة "التك تك " هندية الصنع إلى مصر ... للسنة الثانية
خريطة توضح خطة سيرنا نحو القاهرة
في طريقنا قرب الفيوم مررنا بهرم ميدوم ... الذي هو واحد من عشرات الأهرام المنتشرة على طوال وادي النيل
منظر للقطار يسير قرب النهر في إحدى مدن النيل قبيل وصولنا القاهرة
بعد ذلك وصلنا إلى القاهرة العاصمة الإدارية لجمهورية مصر العربية ... وصلناها قبيل العيد بيوم واحد ... ومن المعلوم أن القاهرة تحوي أحد أهم عجائب الدنيا السبع .. وهي الأهرامات بالجيزة ... ويوجد العديد من الآثار الأخرى فيها مثل آثار سقارة وهرم زوسر وهرم اوناس وآثار ميت رهينة وآثار دهشور وغيرها الكثير ... من الآثار الفرعونية بالإضافة إلى الآثار الإسلامية والقبطية والأخرى ... والجدير بالذكر أن عدد الأهرامات في مصر يزيد عن 90 هرماً ... تتفرق في مناطق عدة معظمها على ضفاف النيل ...
ولضيق الوقت اكتفينا بمشاهدة آثار الجيزة ... ولم نوفق في زيارة المتحف ... بسبب إغلاقه ذلك اليوم ...
وأبرز آثار الجيزة الأهرامات العجيبة ... وتمثال أبو الهول ... والأهرامات في الجيزة عددها تسعة ... ثلاثة كبيرة وهي المشهورة خوفو وخفرع ومنقرع وستة صغيرة ثلاثة منها جوار خوفو وثلاثة جوار منقرع ولن أطيل الحديث عنها وعن ضخامتها أو أوزان أحجارها فقد أوفاها غيري حقها من الحديث والبيان ... وإنما سأكتفي بعرض بعض الصور التي وضحت عليها بعض المعلومات كالأسماء والارتفاع ...
صورة فضائية للأهرام ... وتشاهدون الستة الصغيرة التي رقمتها جوار خوفو ومنقرع
صورة من موقع يجمع الأهرامات التسعة ... ونلاحظ أن أعلاها خوفو ... ولا يظهر عليه ذلك بسبب موقعه المنخفض
صورة أخرى خالية من البيانات
هرم خوفو الأكبر نلاحظ ضخامة أحجاره التي تزن عشرات الأطنان
هرم خفرع الهرم الأوسط كان مغطى بطبقة من الجير ... التي لم يبقى منها سوى ما نراه في الأعلى
ويقال بأن الوالي محمد علي باشا هو من أمر بأخذ تلك الطبقة حيث بنا بها مسجده بالقلعة ... وهناك روايات أخرى في ذلك ...
صورة عن قرب توضح ضخامة الأحجار التي بنيت منها الأهرام
أبو الهول الذي يجاور الأهرامات لا يقل جمالاً عنها بحجمه الكبير
الزميل خالد وهو يشير على رأس منقرع ويقول نيابة عنه الأرض أرضي والزمان لم يعد زمانيه
محدثكم وخلفه خوفو الذي بني في موقع منخفض عن الأهرامات مما جعل الناظر يراه أقل طولاً ...
المرحلة السادسة
مرور سريع ببعض مدن الدلتا والعلمين - الإسكندرية - رشيد - دمياط - بور سعيد
تجولنا في شوارع القاهرة ليلة العيد وقد بدت لي أقل ازدحاما مما توقعنا ... وشربنا الشاي في ضيافة أحد الأخوان الذين يعشقون السفر إلى القاهرة ثم انصرفنا بعد العشاء متجهين إلى مدينة القليوبية ومنه إلى كفر شكر لزيارة منزل وأسرة أحد زملائي الكرام وهو جار عزيزلي في السعودية ... ليس له مثيل نعم الأخ هو ونعم الجار وهو الأستاذ الفاضل فتوح زايد ... فقد قطعت على نفسي وعدا أن أزوره متى ما نزلت مصر ... فوجب علي الوفاء بذلك ...
خريطة توضح سيرنا من القاهرة إلى الدلتا والتفافنا حولها ومن ثم الإسكندرية وساحل المتوسط
بعد أن خرجنا من كفر شكر ... وقد مررننا ببعض المدن المتفرقة في الدلتا ... توجهنا نحو الطريق الصحراوي السريع القاهرة الإسكندرية ذو الأربع مسارات ... والذي دفعنا أربع جنيهات رسوما للسير عليه ... حتى وصلنا في منتصفه خرجنا للصحراء كعادتنا لنقضي ليلنا في الهواء الطلق والجو العليل ...
ثم توجهنا بعد ذلك إلى البحر المتوسط وكان من أبرز محطات رحلتنا مرورنا بالإسكندرية ودمياط اللتان تعتبران مصبا نهر النيل وأبعد نقطيتين لتفرعه في الدلتا ...
ونسيت أن أذكر مناخ شمال مصر في الشتاء ( مناخ البحر المتوسط ) المعروف فهو دافئ ممطر شتاء ... وقد التمسنا ذلك منه ... وجاف حار صيفاً كما هو معلوم ... سأترككم مع الصور التي تغني عن الحديث ... وأسفلها شيء من التعليق.
محطة تحصيل الرسوم على طريق الإسكندرية ... ونلاحظ تغير المناخ في الجو
محدثكم وشواطئ الإسكندرية الجميلة
سقطت علينا بعض الأمطار ونحن بين العلمين والإسكندرية ... قطة جميلة تتأمل روعة المناخ
مكثنا في الإسكندرية نصف النهار ... وكان يوم العيد ... وقد يتساءل البعض أين قضينا عيدنا ... فأقول العيد حين السفر يكون في القلوب مع الأهل والإخوان خلافا للصيام الذي هو صيام في كل الأوطان ... مررنا في الإسكندرية ببعض المواقع الجميلة ... وكنا نريد المرور على المدرج الروماني ومكتبة الإسكندرية المشهورة ... إلا أن الوقت لم يسعفنا ... مررنا بمقهى أشرع أبوابه لشاطئ المتوسط حيث الهوى يلعب بقلوب العشاق والمنظر يسحر الألباب ... تناولنا فيه من الشاي والقهوة العديد من الأكواب ... ثم خرجنا نحاذي ساحل المتوسط متجهين نحو مدينة رشيد وبلطيم ودمياط ... قاصدين بور سعيد .
وفي الطريق أحببنا الوصول إلى شواطئ المتوسط الطبيعية ... فلما انتصفنا وسط الدلتا على البحر ... استخدمنا الدفع الرباعي واتجهنا للبحر الذي نراه يبعد عنا قرابة 7كيلومترات ... وعندما وصلناه فوجئنا بوجود حراسة مشددة عليه ... لعلها من أجل منع التهريب أو حماية لحقول النفط التي نشاهد منصاتها من بعيد في البحر المتوسط ... وصلنا إلى تلك الغرفة التي خرج منها مسلحون ليقولوا لنا مكانكم ممنوع الاقتراب من الساحل ... وبعد الأخذ والرد معهم سمحوا لنا بذلك وخاصة عندما أخبرناهم أننا قادمون من بعيد وقد سرنا آلاف الكيلومترات لا لأن نتوقف هنا ... سمحوا لنا بالمرور دون السيارة ... وكانت المسافة قصيرة ... وبالفعل سرنا قرابة 200م وإذا بنا نقف على سحل المتوسط ... ولا عجب عندما سماه القدامى بالأبيض المتوسط ... فلونه لا يوحي بالزرقة بقدر ما توحي أمواجه المتكسرة بالبياض ... التقطنا بعض الصور الجميلة ... وواصلنا رحلة سيرنا ... وقد كان أولئك الحراس مهذبين ومرحين جداً لذلك وصفت شعب مصر بالشعب الرائع الذي لا يمله المسافر ... وإليكم بعض الصور من طريق الرحلة
على الطريق السريع ( الطريق الدولي ) الذي يربط مدن المتوسط بعضها ببعض، وهو طريق مزدوج سريع
غرفة الحراسة بعد أن أوقفنا سيارتنا قربها وسرنا إلى المتوسط على أقدامنا
ساحل المتوسط الطبيعي ... لاحظ تكسر أمواجه البيضاء
لا أقول إلا عظمة الله تتجلى في خلقه
بعض قواقع المحار التي يلفظها البحر على شواطئه
في الطريق قبل الوصول إلى مدينة دمياط
بعض مصائد الأسماك جوار الطريق في أغوار نهاية الدلتا حيث ركود المياه بسبب اختفاء منسوب الانحدار
بعض مراكب الصيد الشراعية ... في الأغوار والبحيرات المنتشرة في أطراف الدلتا قرب دمياط
صور لمحطات بترولية على ساحل المتوسط قبيل وصولنا لمدينة بور سعيد
المرحلة السابعة الأخيرة
بور سعيد - قناة السويس - حرف V شبه جزيرة سيناء
استمرينا في السير نحو الشرق والمتوسط إلى يسارنا نراه تارة ويختفي تارة ... حتى وصلنا إلى مدينة بور سعيد التي تشرف على مصب قناة السويس في البحر المتوسط ... وكنا في عجلة من أمرنا لكي ندرك قناة السويس قبل مغيب الشمس ... لذلك لم نشأ أن ندخل المدينة حتى لا يضيع الوقت ... بل مباشرة مررنا بها ثم سلكنا الطريق المحاذي لقناة السويس والمتجه جنوباً ...
وقناة السويس قناة حفرها المصريون بإشراف وتنفيذ المهندس فرديناند ديليسيبس خلال 10 سنوات من العام 1859م إلى العام 1869م ... وهي قناة مائية تقع إلى الغرب من شمال شبه جزيرة سيناء ، عبارة عن ممر ملاحي بطول 163كم في مصر بين بور سعيد على البحر المتوسط والسويس على البحر الأحمر ... وتنقسم إلى قسمين شمال وجنوب البحيرات المرة ...
أترككم مع هذه الصور
خريطة توضح خط سيرنا في شمال شرق مصر ... قناة السويس وشبه جزيرة سيناء
في الخلف جزء من بنايات مدينة بور سعيد ... مصب قناة السويس في البحر الأبيض المتوسط
صورتين لسفينتي شحن تعبر القناة متجهة للبحر الأبيض المتوسط
جسر العبور فوق قناة السويس بالإسماعيلية والذي عبرنا فوقه لننتقل إلى شمال شبه جزيرة سيناء
صور لقناة السويس من أعلى الجسر عند الغروب
بعد ذلك سرنا وقد غابت الشمس ... ولأن ليل الشتاء طويل ... حبذنا التوغل كثيراً في شبه جزيرة سيناء ... فسرنا حتى وصلنا قريباً من جبل الطور ... الذي بتنا ليلتنا في سهلٍ حوله ... وقد مررنا في الطريق بمدينة السويس الواقعة في رأس خليج السويس ... ثم واصلنا المسير ومررنا بالعديد من المنتجعات الفخمة على خليج السويس ... والتي هي شبه مهجورة تقريباً ... حتى وصلنا إلى مدينة رأس سدر الهادئة التي تعشينا بها واشترينا من أحد مخابزها ما نحتاج إليه من الخبز بأنواعه ... قد يلاحظ القارئ كثرة وقوفنا عند المخابز ... لن تعجب إذا علمت أن في خبزهم نكهة خاصة فهو طازج تذوقنا منه الكثير بفارق كبير بينه وبين ما تنتجه مخابزنا ... وما يميزها أكثر هو تنوع أنواع الخبز بأشكال كثيرة وبأسعار زهيدة في غير المدن الكبيرة ... لذلك حرصنا على أن نتزود منها دائما ... وما يفيض لا نتوانى في إهدائه لأحد أو إطعامه لدابة تسير ...
مدينة رأس سدر ... مخبز مكة الذي ابتعنا منه حاجتنا من الخبز بأنواعه
مكان مبيتنا في صحراء سيناء .. في سهل قريب من جبل الطور
وبالنسبة لتضاريس صحراء شبه جزيرة سيناء ... فهي عبارة عن جبال في الوسط ناتجة عن الانكسار الأفريقي العظيم الذي شكل جبال البحر الأحمر وجبال الحجاز ... ومجموعة من الأودية الجافة التي تتوزع بين تلك المرتفعات باختلاف اتجاهاتها ... وسهل ساحلي ضيق يرسم لنا حرف V ممتدا حول خليج السويس شرقاً وخليج العقبة غرباً ... مشكلاً قوساً عند رأس محمد ...
وبالنسبة للمناخ فمناخها قاري في الداخل ... ويميل إلى الاعتدال والدفء قليلاً على سواحل الخليجين ... وأما الغطاء النباتي فهي صحراء فقيرة لا حياة فيها للنبات ... عدا القليل من نباتات الصحراء في بطون بعض الأودية والقريبة من الواحات المتفرقة فيها ... وتوجد هناك نباتات نادرة ... وينتشر فيها العديد من البدو الذين يعرفون ببدو سيناء ... وهم أقرب إلى بدو الجزيرة العربية وبلاد الشام ... ويتميزون بالعادات والتقاليد المشابه لنا ... حتى في اللباس وبعض اللهجة ... وهم على درجة عالية من الكرم والأخلاق والمحافظة ...
واصلنا رحلتنا نحو أقصى الجنوب عبر طريق حرف الـ V ... فمررنا برأس محمد ثم مدينة شرم الشيخ ... ومدينة ذهب ... ثم نويبع أخر محطة لنا في مصر ... والحقيقة لا يميز تلك المدن سوى شواطئها الصافية وما عداه لا يستحق السفر والسياحة إليه ... بل إن مدينة شرم الشيخ التي تعج بالسياحة الإسرائيلية ... هي أسوء مدينة رأتها عيني في مصر حيث لا طبيعة ولا جمال بها سوى شواطئها ... التي لا تصل إلى جمال وشواطئ رأس حميد في بلادنا ... الطرف المقابل لها في جزيرة العرب ... بل زادها قبحاً ما تجلى فيها من مظاهر الفسق والعري التي لطخ بها السياح الإسرائيليون ذلك الجزء من البلاد العربية ...
أترككم مع وقفات الصور التي تغني عن الحديث
إحدى محطات الوقود عند المدخل الغربي لمدينة شرم الشيخ ... ونلاحظ خلفها كيف تبدو طبيعة الأرض
في هذه الصورة نرى بداية دخول مدينة شرم الشيخ وكيف الصحراء القاحلة والكئيبة المنظر تعانق البحر
الطريق وهو يسير في أحد الأودية الجافة بعد أن خرجنا من شرم الشيخ متجهين إلى مدينة دهب
مفرق مدينة دهب الهادئة ... فالطريق لا يسير بمحاذاة خليج العقبة ... لأسباب تخدم أمن وملاحة سوسة العرب
مدينة دهب يقابلها على الطرف السعودي مدينة مقنا الدافئة .. جارتان يتيمتان لا يفصل بينهما سوى 23كم
صورة عامة من مدينة دهب
شواطئ نظيفة وصافية في دهب يستغلها السياح في النزهة واللعب
في الطريق مررنا بجبل سانت كاترين أعلى جبال مصر والذي يقع إلى جنوبه أقدم دير في العالم
حيث يقال عنه أنه أقدم دير في العالم .. يقصده السياح من جميع بقاع الأرض .. وهو معتزل يديره رهبان من الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية .. لا يتكلمون العربية كما يقال .. ويقال بأن الدير تحت الوصاية اليونانية ... وهو لا يستحق المرور به إلا لمن يهتم بدراسة تاريخ الأديان ...
صورة للدير ونشاهد فيه الكنيسة اليونانية
واصلنا الطريق وها نحن نشاهد مدينة نويبع ومرفأ السفن الذي سنبحر منه إلى العقبة الأردنية
مشهد عام من مدينة نويبع
مشهدان للشواطئ الجميلة ومعانقة الجبال لمياه الخليج في مدينة نويبع المصرية
حجزنا تذكرة للسيارة وتذكرتين لنا ... وقد كانت أرخص من تذاكر شحن الملاحة بين ضباء والغردقة ... بحوالي 30% ... إلا أن إجراءات خروج المركبة بنفس التعقيد والتأخير ... فقد مكثنا قرابة 3 ساعات لننهي معاملة أشبه ما تكون بالبالون الفارغ ...
وقد أبحرنا بفضل من الله بعد غروب الشمس ... ووصلنا ميناء العقبة بعد أربع ساعات ... في باخرة تقل 8 سيارات صغيرة و23 شاحنة كبيرة ... ونحن نسير في خليج العقبة ... أعجبني ذلك المنظر الكبير الذي يتوهج نوره بكلمة التوحيد وعلم بلادنا فوق جبل مرتفع في مدينة حقل على الحدود بين المملكة والأردن ...
وصلنا خليج العقبة الأردني ... وكانت مقابلتهم لنا غاية في الاحترام والتقدير ... وسرعان ما أنهينا إجراءات الدخول اليسيرة ... ثم توجهنا داخل الأراضي الأردنية قرابة 10كم وإذا بنا نعود لنخرج منها وندخل أرض الوطن أرض الحرمين الشريفين التي افتقدناها خلال هذه الرحلة القصيرة في شمال شرق أفريقيا ...
في ميناء العقبة ... الباخرة التي أقلتنا ونحنا في انتظار خروج الشاحنات لنخرج سيارتنا من الطابق الثاني
سرنا بعد ذلك مسافة 180كم متجهين نحو مدينة تبوك ... لنتوقف ونبيت ليلتنا الأخيرة في الرحلة ... وفي اليوم التالي واصلنا وجهتنا نحو مدينة الرياض ومن ثم الدلم ... في رحلة أحادية الاتجاه دون الرجوع إلى الوراء أثناء خطة سيرها.
والله أعلم والحمد لله رب العالمين
أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم معي وسعدتم واستفدتم خلال هذه الرحلة وفقني الله وإياكم لكل خير
أخوكم المحب الباحث الجغرافي والرحالة
حمد العسكر