جبل القهر زهوان (  إخطبوط الجبال ) رحلة مع الجن بين الواقع والخيال

     أهلا وسهلاً بكم مع الباحث الجغرافي والرحالة حمد العسكر في رحلة جبل القهر جبل الأخاديد السحيقة

أخي القارئ حتى تلم بهذا الموضوع الجغرافي والرحلة الممتعة يتوجب عليك قراءته  بأجزائه الخمسة

لكي تتضح لديك صورة جلية لعظم ووعورة هذا المكان العظيم وساكنيه وما فيه من آثار وغرائب وأساطير 

         ملاحظة :  من خلال قراءة الأجزاء الخمسة سنعرف لماذا مع الجن بين الواقع والخيال

 

* * * *      * * * *

الجزء الأول

جبل القهر (زهوان ) والطريق إلى القمة

         بداياتي مع هذا الجبل :

          أثناء رحلاتي الاستكشافية والعلمية حول وادي بيش تعرفت على هذا الجبل المتشعب الأطراف خلال الفترة ما بين 1422هـ إلى 1428هـ وقد قمت بزيارة هذا الجبل وصعوده رغم وعورة طريقه 14 مرة خلال ست سنوات. وقضيت فيه ما يزيد عن 32 يوماً.. وفي هذه الرحلة أحاول أن أجمع تلك الجهود وأرسم منها صورة له وللحياة الطبيعية والبشرية فوقه. كما حاولت جمع أكبر عدد من الصور الحديثة في الرحلة الأخيرة.

          وجبل القهر يسمى قديماً ( جبل زهوان ) حتى وقوع حرب القهر ومن ثم أطلق عليه اسم جبل القهر مع بقاء الاسم القديم ... ويعاني الجبل من مشكلة لم يتطرق لها أحد وهي موت أشجار العرعر بشكل جماعي ...  سكانه من قبيلة الريث ... ويعيش من يسكن في أعلاه في بيوت من الحجر ومواردهم أغنامهم ومناحلهم وشيء من الصيد. التيار الكهربائي في طريقه للوصول إليهم والمياه من الأمطار.

        الموقع :      الجغرافي  N17.36.155  /  E042.51.595  بداية الطريق الذي يصعده

         يقع جبل القهر في جنوب غرب المملكة العربية السعودية في منطقة قبائل الريث. ويحده من الشرق مجموعة جبال وأودية تفصل بينه وبين محافظة الفرشة التابعة لقبيلة قحطان ظهران الجنوب ، ومن جهة الغرب يحده مجموعة من الأودية التي ترفد وادي بيش العملاق وجبل القهرة "المائدة" الذي اعتبره أحد عروق القاعدة التي تتصل بهذا الجبل. ومن الشمال يحده وادي بيش العملاق بروافده الكثيرة. أما من الجنوب فيحده الجبل الأسود.

صورة جوية لمنطقة جازان تبين موقع جبل القهر

             الجبل والطريق إلى سطحه :     

         يعتبر جبل القهر أشد جبال المملكة وعورة وأكثرها انكسارات حادة وسفوحا عالية منيعة وأخاديد سحيقة وأطول هذه الأخاديد أخدود وادي لجب .. وكلها تنتشر في جميع أنحاء الجبل ومن خلال الصورة الفضائية أسفل يتضح ذلك التضرس الشديد..  ويحيط بالجبل سفح وحافة شاهقة من جميع جهاته الأمر الذي يجعل الصعود إليه مستحيلاً إلا عبر طريق واحد سيأتي الحديث عنه بعد قليل.

من خلال الصورة نلاحظ التضرس الشديد وكثرة الأخاديد أكبرها وادي لجب نحو الشرق

       ويمتد الجبل من الشمال إلى الجنوب في أقصى امتداد له حوالي 15كم ومن الشرق إلى الغرب حوالي 13كم ويتفاوت ارتفاعه ما بين 1500م إلى 2350م تقريباً. 

        الطريق إلى سطح الجبل :

          بسبب وعورة الجبل فإنه لا يوجد الآن إلا طريق واحد نافذ يصل إلى سطح الجبل وهو طريق شديد الوعورة شقته شركة ابن لادن قبل حوالي 38 سنة. وهناك طريق تحت الإنشاء منذ 3 سنوات تقوم بإنشائه شركة جار الله الفاشلة .. وسأتحدث عن الطريقين في الأسطر التالية :-

       الطريق القديم / هذا الطريق يبدأ من محافظة رخية ويصعد الجبل المتاخم لها شمالاً والذي يقبع فوقه برج الميكروويف اللاسلكي . ويظهر في الصورة أعلاه بلون مغاير عن جبل القهر.. وهذا الطريق قديم جدا أنشأته شركة ابن لادن قبل حوالي 38 سنة.

يبدأ طريق الصعود من هنا أمام الشجرة في محافظة رخية مركز الريث

إحداثيات بداية الطريق هي  N17.36.155  /  E042.51.595

        سنبدأ من خلال هذه الصور المتتالية صعود العقبة ومشاهدة هذه الطريق العتيقة والتي تتصف بالوعورة وشدة الانحدار.

من هذا البقال تزودنا بالمؤن الكافية قبل الصعود

في بداية الصعود تقابلك هذه الشبكة التي صنعها الأهالي لتوزيع المياه

الطريق قبل أن تشتد الوعورة وتكثر فيه الزوايا الحادة

محافظة رخية كما تبدو بعد صعود منتصف الطريق

يتعرض الطريق بعد سقوط الأمطار الغزيرة لجرف التربة فيتوقف لأيام

صورة من إحدى الرحلات  السابقة توضح وعورة الطريق سيارة الرحلة القديمة 1425هـ

نلاحظ البداية الواضحة لجبل القهر والذي يختلف في لونه المغاير لما حوله

لاحظ ضخامة صخوره الصلبة بعد عبور الممر الضيق الذي يوصل للقهر

في الصورة ممر وحيد لعبور السيارة نحو القهر. نشاهد تربة طينية صلصالية تفوح منها رائحة زكية إذا خالطها الماء.

الفرق شديد بين جبل القهر وباقي جبال المنطقة ( تأمل الصورة ) ولاحظ كيف يبدو الجبل الأيمن كالسد الترابي بينما القهر شديد الصلابة ككتلة خرسانية.. وإلى اليسار نحو الأسفل مدخل شعيب صغير هو بداية الرافد الأخدودي الذي يرفد وادي لجب ويقابلك عن يسارك بعد دخول لجب بـ 3 كم.

صلابة الصخور كانت سببا رئيساً في وعورة الطريق

تحتاج إلى الدفع الرباعي الثقيل وقفل التروس للتغلب على العقبات المتكررة

               الطريق الجديد / مازال تحت الإنشاء وقد استلمه مقاول فاشل مع الأسف .. فخلال السنوات الثلاث الماضية مررت به ورأيت كثيراً من العيوب التي ارتكبت في بناء الطريق ... مثل تصريف الماء والانحدار السيئ ووسائل السلامة وزوايا الانعطاف السيئة وسوء اختيار المكان الأمثل لشق الطريق... وهذا ما يثبت سوء التخطيط وأن بعض الشركات لا تقيم دراسة حقيقة للمشروع قبل البدأ فيه فقط أوراق وخطط نظرية لكسب المناقصة.

           وقد أجريت مقابلات متكرر مع العمالة التي تعمل في الطريق .. وكانت معنوياتهم محبطة بسبب تأخر رواتبهم أكثر من 10 أشهر في صيف العام 2007م  ..(هنا فاصل محذوف تفسيره موجود في الصورة السادسة أسفل )  ... وبعد التعمق في الحديث معهم تبين أن المهندس الرئيسي لبناني الجنسية أوكل المهمة لمهندس ثانوي باكستاني .. وكلاهما محبطين لا يفقهان التخطيط بدليل أن الباكستاني في نهاية المطاف عندما وصلوا إلى نقطة الالتفاف نحو الشمال من الغرب ... احتار فأعطى الضوء الأخضر لليمني الذي أخبرنا بذلك ... قائلاً بلهجته : - ( احنا اللي نخطط ونشتغل والمهندسين زي الديكور ... ويزورننا كل أسبوع مرة ولما ملوا قالي الباكستاني يا علي شف شغلك مع ام جبل وشق الطريق زي ما تشوف أنت تفهم أكثر مني ) ... وهذا ما يحزن القلب ... في حين يقبع الكثير باطلاً عن العمل ... نجد من ليس من أرضنا ولا من أهلنا هو الذي يخطط لنا ... فسبحان الله أما آن للمقاولين أن يتقوا الله في أمانتهم ويؤدوها بإخلاص ... ويساهموا في القضاء على البطالة .... 

        من خلال تجوالي وبحثي في منطقة الريث وبدون مبالغة وجدت أن البطالة بين أبنائهم تتجاوز 60% والكثير منهم يتمنى أي عمل يكسب منه وقد سألت العديد منهم لو طلب إليكم العمل مع المقاولين في شق الطرق أو نقل أعمدة الإنارة التي تنقلها العمالة لإيصال التيار الكهربائي خلال هذه الأيام أتقبلون؟ أجاب الكثير بأن هذه أمنية ... فلن يعمل بإخلاص في الأرض مثل ساكنها... ولا شك أن العمل يحتاج للقليل من التدريب .. الذي لن يكون فيه الأجنبي خير من ابن الوطن.

          سأترككم مع هذه الصور والتعليق أسف الصورة لهذه العقبة التي تحتاج إلى إعادة نظر في بنائها.

الخط الأحمر يوضح طريق العقبة الجديد تقريبياً

هنا نهاية الطريق الجديد ، مكثنا الليل هنا على ارتفاع 1300م

الصديق خالد في الصباح الباكر والآليات تبدأ العمل

عمال الشركة يتناولون الإفطار قبل العمل

سقوط أحد الآليات - بلدوزر - بسبب سوء التخطيط أو احتجاجا على تأخر الراتب

أحد شباب المنطقة يسوق غنمه عبر هذه العقبة للمرعى .. ولسان حاله الرزق على الله

صورة للجزء الذي انشأ قبل سنة ونصف وتظهر عليه آثار التلف وسوء الرصف

رحلتنا في الجزء الثاني ستكون في الحافة أعلى اليمين - تحياتي محدثكم حمد العسكر

إلى هنا انتهى الجزء الأول من الرحلة

تقبلوا تحيات محدثكم حمد العسكر وإلى اللقاء في الجزء الثاني من الرحلة

 جبل القهر زهوان ( إخطبوط الجبال ) رحلة مع الجن بين الواقع والخيال

الجزء الثاني

رحلة الوبقة ووادي ( سيب دوش ) الأخدودي

أهلا وسهلا بكم

          في هذا الجزء سنتناول شيء من النبات الطبيعي والحياة البشرية والحيوانات الأليفة ونظرة لأخدود سيب دوش في الجزء الغربي من الجبل

        موقع الرحلة في جبل القهر ( زهوان ):

       بدأت الرحلة برفقة الصديق خالد الحقباني نحو الجهة الغربية من الجبل مرورا بـ الطرف ثم الوبقة ووادي سيب دوش ثم الشرف حيث الحافة والسفح العظيم .. لن أطيل الكلام سأختصر وأعلق على الصور.

     

صورة جوية توضح خط السير نصفه بالسيارة ونهايته سيراً على الأقدام

قبل الالتفاف خلف الحافة نشاهد من هذه الصورة الجبل الأسود سقف جازان

مررنا على الطريق بهذه الشجرة ذات الجذوع العظيمة

يصنع السكان بيوتهم من الحجر ويعيشون قرب السفح أو الكهوف للاستفادة والحماية

تظهر البساطة على هذه البيوت الحجرية والتي تبدوا خالية وهي تعج بالحياة

قرب البيت الحجري فاجئنا هذا الحارس الوفي بنباح وغضب

في الصورة يظهر طريقنا نحو "الطرف" في هذا السفح الخطير

تكثر الأشجار ذات الجذور العارية في حافة السفح

 نهاية ما يسمى الطرف وهو لسان ذو حواف حادة (صخور نارية )

تنوع الصخور ما بين ناري ومتحول ومتأكسد ومتبلور أدى إلى اختلاف ألوانها

محدثكم وتبدو خلفه من الطرف قمة " نوعة " ووادي "قني فين " تأتي في رحلة الجزء الخامس

في الطريق من الطرف إلى الوبقة نشاهد هذه المنازل القديمة

في الطريق نشاهد هذه الصخور الطباشيرية والكلسية التي تزخر بألوان زاهية

نشاهد الطريق في الأسفل ويخرج من الصخور الصلبة طبقات جبسية رملية هشة

عاطلان عن العمل بعد أن طوى قيدهما الطارة والكفر

أبقار تأخذ قسطاً من الراحة في الوبقة

من هذه الصورة يبدو لنا أخدود سيب دوش وقني فين وقمة الشرف "نوعه"

في الوبقة مررنا بأبي مفرح الذي استضافنا وأخذنا في جولة إلى مزرعته وبيته القديم

الطريق شقه الأهالي على نفقتهم وينتهي بمزرعة أبو مفرح والتي يزرع فيها البن

بيت أبو مفرح الذي ولد فيه ونشاهد طريق الصعود إليه

مفرح أحد أبنائه والذي يعيش في فجوة انتقالية بين الماضي والحاضر

صورة من الأعلى لوادي " سيب دوش " الأخدودي

بدأت الآن رحلة السير وروح المغامرة على الأقدام وقد أخذنا لها كل ما يلزم

بداية أخدود سيب دوش ، وفي الأعلى إلى اليسار خالد وأبو مفرح

         الغطاء النباتي :

            سيصحبنا خلال هذه الرحلة وبالصورة الغطاء النباتي الطبيعي التالي :

          أشجار العرعر / ومع الأسف الشديد حصلت مأساة لهذه الأشجار فقد ماتت موتاً جماعياً عام 1990م بعد أزمة الخليج .... ومن خلال بحث لي أجريته لجبل القهر أجريت مقابلات لبعض الأهالي وذكروا لي أن بعد أزمة الخليج ماتت أشجار العرعر فجأة واختلفت رواياتهم حول سبب ذلك فمنهم من قال بعدم العلم .. وآخرين كانوا أكثر جرأة وذكروا لي أنه تم رشها في تلك الفترة بطائرات زراعية . وآخرون رفضوا التعليق والبعض قال بسبب قلة الأمطار.

      وفي الحقيقة من خلال استماعي لروايات السكان ودراساتي الميدانية لجبل القهر والجبال المجاورة.. مثل الجبل الأسود ... أرجح روايتان من الروايات التي سمعتها : الرواية الأولى / بعد أزمت الخليج تم رش سطح الجبل بمادة من أجل القضاء على مزارع القات والتي كانت منتشرة آن ذاك. وقد صرف النظر بعد أن شوهدت الآثار السلبية على نبات العرعر.      الرواية الثانية /  تم إبادة العرعر من أجل إزالتها وإقامة مطار وقاعدة جوية وخاصة بعد موقف اليمن آن ذاك في أزمة الخليج. ولكن بعد أن استقرت الأوضاع صرف النظر.

    وأما من قال من الباحثين أو السكان بأن موت العرعر سببه نقص كميات الأمطار ...  فيرد عليه بوجود غابات العرعر الكثيفة في الجبل الأسود القريب جداً من جبل القهر .. ووجودها في السودة والسحاب رغم كميات الأمطار الأقل.

     وبالنسبة لرأي الخاص فموت أشجار العرعر في جبل القهر والله أعلم يرجع لأحد أمرين طبيعي وهو يكمن في التربة التي تختلف عن سائر الجبال .. وهذا يحتاج إلى بحث مفصل من ذوي الاختصاص.  وبشري وقد يكون نتيجة تدخل الإنسان كما ذكر السكان.

     ولكن الخسارة التي حصلت هناك هي خسارة عظيمة هلاك غابة تقدر مساحتها بأكثر من 70كم2 .. ذكر الأهالي بأنه كانت قديماً ماشيتهم تتيه فيها ويبحثون عنها بالأشهر ... وذكروا بأنهم لم يكونوا يستطيعون رؤية الجبال المجاورة بسبب كثافة الغطاء النباتي حتى يصعدوا نقاط معينة في القمم... والله المستعان.

     هذه الصورة التي أخذتها أثناء زيارتي الاستكشافية للجبل في عام 2003م هي واحدة من 1500 صورة لأشجار لم يبقى منها إلا الجذوع شاهداً عليها.

العرعر تحولت إلى أخشاب للحطب والبناء - صورة من الأرشيف

        وينتشر في هذا الجبل نباتات أخرى كثيرة مثل :

        العتم و الشدنة والشطب والقمر والنهب والشوحط والتالوقة التين الشوكي والصبار والكادي والنخيل الجبلية وغيرها

وستمر معنا صور لبعض هذه النباتات في الجزء الخامس من الرحلة

صور لأخدود وادي سيب دوش ويظهر الغطاء النباتي الكثيف في داخله

لاحظ وعورة المنحدر إلى بطن الوادي

التقاء روافد أخدودية بسيب دوش

تكثر برك الماء الطبيعية داخل الوادي

ترعي الماعز حول الوادي حيث توفر الغطاء النباتي والمياه الدائمة

تكثر الأخاديد الصغيرة التي ترفد هذا الوادي والأخدود العميق

أحد المنازل المبنية من الحجر قرب الوادي

مجموعة أبقار ترعى في جوانب الوادي العليا

يصعب نزول الوادي لشدة انحدار جانبيه وكثافة الغطاء النباتي داخله

رغم الوعورة إلا أن همم الرجال تدك الجبال سيراً على الأقدام نقل الاسمنت إلى هذا المكان

1- هذا الصدع السحيق تحت قدماي يشق الجبل ولا يرى له قاع سوى عروق النبات 

2- نرفع الكاميرا لنرى هذه الشجرة العجيبة التي تقحم نفسها في هذا الصدع الضيق

3- تخرج وتظهر معها الحياة في أوراقها فسبحان من شق نواها بهذا المكان

إحداثيات الصدع N17.38.484  /  E042.52.960

وهذه النباتات تخرج من فوهة لا يرى قاعها . عظمة الله تتجلى في خلقه

كثافة شديدة لهذه النباتات التي خرجت من باطن الأرض

نباتات أخرى تخرج من تحت الشقوق ومن بين الكهوف وسط صلابة الصخور

ولا ننسى كثرة الكهوف التي تجري فيها المياه داخل هذا الأخدود

محدثكم وقد وصل حافة الشرف السفح حيث نهاية رحلة الجزء الثاني غربي القهر

إحداثيات حافة الشرف   N17.38.639  /  E042.52.385

إلى هنا انتهى الجزء الثاني من الرحلة

تقبلوا تحيات محدثكم حمد العسكر وإلى اللقاء في الجزء الثالث من الرحلة

جبل القهر زهوان ( إخطبوط الجبال ) رحلة مع الجن بين الواقع والخيال

الجزء الثالث

رحلة شرقة آثار الكف والهياكل العظمية

أهلا وسهلا بكم

سنتناول في هذه الرحلة وعورة الأرض وتكيف الإنسان ( همم الرجال تدك الجبال ) وأساطير خرافية وهياكل عظمية آثار أكل عليها التاريخ وشرب

        موقع الرحلة ( شمال شرقي جبل القهر ) زهوان :

موقع رحلتنا في الجزء الثالث شمال شرقي زهوان موقع الدائرة في الصورة الجوية

خط السير الأحمر مسار الرحلة نحو شرقة إلى اليمين

موقع الهدف من الرحلة زيارة الآثار القديمة الكف والمقبرة ذات الأساطير القديمة

        توجهنا شمالاً في جبل القهر قاصدين مكان تحكي عنه أساطير وهمية وإدعاءات وخرافات صنعها الجهل قديماً ... مررنا بطرق وعرة شقها الإنسان وصنعها بيده دون استخدام الآلات وهذا أوج الجبروت والهمة التي رأيتها ولم أكن أتوقعها فعلى شدة الوعورة تأتي قوة وعزيمة أهلها.

     مررنا بقرى صغيرة ومزارع بسيطة ... أهمها على طريقنا قرية الواديين التي قابلنا فيها ولداً عمره 12 سنة لم يلتحق بالمدرسة بسبب بعدها ووعرة الطريق التي تأخذ الأنفاس إليها.. أهل هذه القرى ذو كرم وأخلاق عالية ونسائهم ذو عفة وحجاب كامل ... والكل محافظ على الصلاة وسيماهم في وجوههم ... نحسبهم والله حسيبهم.

نهبط من ارتفاع 1900م إلى 1500م تقريباً ونحن على هذا الجبل في طريق وعرة

نشاهد من الأعلى الطريق الوعرة التي نحتها الإنسان في هذه العقدة من الأخاديد والقبب الصخرية

نسير ببطء وحذر ونشاهد أعمدة الكهرباء الحديثة التي لم يوصل بها التيار بعد

ما شاء الله والله أكبر ( صور تجسد جهد الإنسان في نحت ورصف ورسم هذا الطريق شديد الوعورة ... تكيف الإنسان مع بيئته بشكل قوي )

            قبل الوصول إلى الواديين مررنا ببقال في غرفة حجرية تزودنا منه ببعض المؤن ولم نجد لديه ماء وعندما سألنه استنكر ذلك وقال الجو بارد والماء في كل مكان... وسألنه إبريقا ولم نجد ... فسرنا بعده إلى مفرق الطريق يمين الواددين ويسار إلى شرقة والشامية حيث الآثار قي شرقة .. ومفرق شرقة نحو الآثار من طريق الشامية غير واضح لأن السير على صخور صماء وملساء ولكن هذه إحداثياته   N17.40.155    -   E042.54,702

    نسيت أن أخبركم بأننا فقدنا إبريق الشاي عندما كنا جالسين نشرب الشاي في حافة الشرف .. الأمر الذي ضاقت له صدورنا وجعلنا نطبخ الشاي في قدر الطعام ...  ولكن هنا على طريق شرقة حُلت المشكلة حيث وجدنا غرفة مهجورة دخلها صديقي خالد ووجد فيها إبريقٌ أكل عليه الزمان وشرب وربما مضى عليه سنوات وهو لم يستعمل ... استعرناه من تلقاء أنفسنا وسار معنا الرحلة وبعد أيام عدنا به إلى مكانه أثناء رجوعنا.

مررنا ببعض المزارع على طريقنا وهي مهملة لتأخر سقوط الأمطار

البقالة التي مررنا بها على الطريق

صورة للبقال الذي ابتعنا منه المؤن ولم نجد عنده ماءً ولا إبريقا

تزودنا من خزان الماء العذب الذي تملأه مياه الأمطار من سطح الغرفة

صورة من الداخل للغرفة التي استعرنا منها إبريق الشاي

محدثكم يرتاح بعد أخذ بعض الصور والقياسات ويتأمل في طبيعة الأرض المعقدة

تشتد الطريق وعورة قبل وصول الهدف انظر الطريق ينحدر بشدة في وسط الصورة

توقفنا للراحة فالجميع هلك حتى السيارة التي أسأل الله أن يحفظها أين ما سارت فهي الراحلة ورفيق الدرب وسفينة الصحراء التي لا تعتذر عن وجهة أبداً .. ما شاء الله

ونحن نسير نحو شرقة توقفنا للراحة ورأينا هذا الرافد الذي يرفد وادي بيش العملاق

في هذا المكان الجميل استرحنا لبعض الوقت

صورة محدثكم في مثل نفس الوقت قرب المكان من الأرشيف قبل 4 سنوات

صورتين توضح عوامل التعرية في نحت الصخور

صورة لقرية الواديين التي صادفنا فيها الولد المنقطع عن المدرسة

قرب مكان الآثار وجدنا هذا المنزل جانب هذا الفطر الصخري وأخشاب العرعر

             وحول موقع الآثار تشتد الطريق وعورة حتى أن الإنسان نحت بعمق في الصخور حتى شق الطريق الذي يمر نحو الآثار...

         وعن أسطورة الكف المرسومة في الجبل ... ( يقول السكان بأنه تواترت عن الأجداد ومن علو قبلهم بأن هناك رجلاً جعل ناقة للخير فكل من يمر بها يشرب الحليب بعد حلبه ثم يعيد الشمالة على ضرع الناقة ... وذات يوم أتى من شرب ولم يعد الشمالة على الضرع فشرب ابن الناقة حتى خرج الدم من ضرعها وأتى صاحب الناقة ووجدها قد ماتت فصاغ الدم بما وجد من اللبن وضرب بكفه على الجبل .... ) وهذه من قصص الأولين.  حتى أنهم قالوا إن ناقة صالح كانت هناك وهذه مغالطة تاريخية. كما قيل لي مثل ذلك في عمان وفي سيئون باليمن. والصواب في مدائن صالح بين المدينة والشام.

       وعن الجماجم والهياكل البشرية ... فهي مقابر بشرية تجمع جثث الموتى فيها لتعذر الحفر في الصخور ... والله أعلم.

       نواصل إلى الآثار مع هذه الصور :

صورة للطريق الذي حفر بعمق باستخدام المعاول والأيدي البشرية

صور للكف الأثرية التي رسمت منذ مئات السنين على الصخر كما يروى ذلك

صورة لمكان يعتقدون أنه مذبح الناقة يكثر فيه الرماد والركام

صورة للمقبرتين الأولى للكبار الصديق خالد يلقي عليها نظرة عن قرب والثانية للأطفال

صور للعظام والجماجم كما تبدو من أعلى حائط المقبرة رحم الله أصحابها رحمة واسعة

إحداثيات مكان الآثار  N17.39.160  /  E042.55.280

إلى هنا انتهى الجزء الثالث من الرحلة

تقبلوا تحيات محدثكم حمد العسكر وإلى اللقاء في الجزء الرابع من الرحلة

جبل القهر زهوان ( إخطبوط الجبال ) رحلة مع الجن بين الواقع والخيال

الجزء الرابع

رحلة ألوية والشامية ومطل القوس العظيم

أهلا وسهلا بكم

       سنتناول في هذه الرحلة مواصلة الطريق نحو شمال الجبل وكيف تشتد الوعورة ويعيش السكان في عزلة أبعد ما تكون عن العالم، سنرى خلال الرحلة كيف بنيت الطريق وكيف وصل الخير إلى هناك وقمة التناقض بين البدائية وعالم الخلايا الشمسية كما سنرى أبعد مدرسة عن الحياة المدنية اليومية وعلامة استفهام إلى معلميها ... ثم نتجه لنبيت على طرف حافة أسميتها مطل القوس العظيم وقصة المغامرة عند الساعة 12منتصف الليل لنزول الحافة سيراً على الأقدام .

موقع الرحلة في أقصى الشمال من القهر ( زهوان )

في الصورة نشاهد موقع الرحلة ومكان الجلوس على المطل الشاهق العظيم

 

صورتين توضح شدة وعورة الطريق الذي نحته البشر ... وآخر بنوه بناءا بالحجر

سبحان الله العظيم الذي أمر الإنسان بعمارة الأرض وجعل له فيها سبلا ومعايش

يستغل الإنسان البرك لحجز مياه الأمطار والاستفادة منها في الشرب والغسيل

استغل الإنسان خام البيئة في بناء مسكنه واستغل الكهوف والشقوق ليستفيد منها

صور لحملين يقفزان فزعاً منا

مدرسة الشامية المبنية من الحجر والمكسوة بالجبس .. يحتاج وصول المعلم إليها أكثر من 5 ساعات عبر الطرق الوعرة في أكثر من 20كم من مركز الريث إلى أقصى نقطة في العزلة الجغرافية.. يقال بأن زيادة رواتب المعلمين هنا تتجاوز 50% بدل نائي وأنا أقول هذا لا يكفي ولو بلغت 100%  لما رأيته من قسوة ومنعة ومخاطرة ... وتشكر حكومتنا على هذه الجهود التي بذلتها لتعليم وتنوير السكان هنا.

تمنيت لو ألتقي ببعض المعلمين لأجري معهم بعض المناقشة حول معاناتهم وما يدور بخلدهم وحول ما وضع عليه علامة استفهام في الصورة .. كان الله في عون الجميع.

 

صورة لمولدات الكهرباء لهذه المدرسة التي تصارع البقاء

من إحدى النوافذ صورة لقاعة الدراسة والتي تحكي قصة 8 طلاب ومعلم بائس وسبورة خاوية وطباشير على ما أعتقد من جبس الجدار.

أحياناً يجتمع النقيضين جزا الله خيراً من بني هذا الجامع وزوده بخلايا شمسية تمده بالطاقة

مزارع الشامية جرداء تنتظر الفرج من عند رب السماء

      توجهنا بعد ذلك إلى شمال الشامية باغين مطلاً عظيماً لم نعرف له اسماً حتى من المحليين فأسميته مطل القوس العظيم ... ارتفاعه يصل إلى أكثر من 1900م ويشكل قوساً زاويته تقترب من 90ْ درجة ويفتح نحو الشمال الغربي - انظر الصورة الجوية أعلى - ... لتخرج منه العديد من الروافد التي ترفد وادي بيش العملاق.

     كنا ننوي المبيت فيه لولا ما حدث لنا هناك في منتصف الليل ... فقد وصلناه عصراً وقمنا بإخراج المؤن والطعام على حافة المطل وأوقدنا نارا واستخدمنا إبريق الشاي المستعار السابق ذكر قصته ... بعد غلي الماء فيه قرابة نصف ساعة للتعقيم ... في جو قل نظيرة وفي شعور بعيد عن الضجيج والكآبة كله تأمل في خلق الله وتعجب واستشعار لعظمة الخالق سبحانه وتعالى ...   وإحداثيات المطل هي N17.42.100  -  E042.53.247.

       وأما ما حدث فكالتالي ( من المعلوم أن أهالي الجبال ينامون مبكراً بعد صلاة العشاء ... يساعدهم على ذلك عدم توفر الكهرباء ... وعندما كنا نجلس على حافة المطل كنا نرى في الأسفل بالمنظار قرية صغيرة .. يتعذر الوصول لها بسبب الحافة والسفح الشاهقين ... وقد علمنا من رجل أثيوبي يعمل بإحدى مزارع الشامية .. أنه يوجد طريق في حافة السفح قربنا يوصل إلى تلك القرية وهو خطير بعض الشيء لمن لا يعرف التسلق والسير في الحواف .. سمر معنا الرجل الأثيوبي موسى وعندما ذهب للنوم ... وفي حوالي الساعة 11 والنصف ليلاً ، اقترحت على صديقي خالد أن نأخذ سلاحنا وكشافاتنا ونذهب للنزول عبر هذا الطريق العجيب ... حتى نصل أسفل السفح لإحياء روح المغامرة ومحاولة تلمس جنح الظلام.. ثم نعود للنوم في مكان موقد نارنا.. ما كان منه إلا أن قال كنت أفكر بنفس الذي قلت ... حملنا مصابيح إضاءة قوية - كنا نكبس بها للقرية أسفل ويرد علينا أحدهم بنور سيارة - سرنا نحو طريق الحافة والذي يبعد عنا حوالي 300م .. وكنا نسير على ضوء القمر ونتبادل الحديث ... وقبل الوصول بقليل لفت انتباه خالد حركة مريبة لثلاثة أجسام بشرية ... ولاحظت ذلك بلمح البصر ... وهنا يلعب عنصر المفاجئة دوره فمن يستخدمه يهلك الطرف الآخر .. وبحكم الخبرة ... هاجم خالد أولائك بالصوت المرتفع ( السلام عليكم لم يردوا فكرر ذلك - وألحقت أنا الصوت بالإنارة المحرقة للعيون مباشرة .. فما هي إلا لحظات وإذا بنا نرى 3 أشخاص يجلسون وقد بدا عليهم مظهر الاختباء لأنهم كانوا يسمعون أصوات حديثنا قبل وصولنا إليهم، فسارعوا للجلوس ... رأونا فردوا السلام وكان عليهم مظهر الارتباك الشديد ... أقبلوا نحونا ونحنا مستمرين نزولاً تدريجياً نحوهم ... كانوا يلبسون اللبس البدوي ... الوزرة الحوك والمصنف والشميز ... لما رأيتهم عرفت أنا غايتهم مباشرة وذلك من خلال خبرتي ودراستي للحياة الاجتماعية لسكان الجبال في الريث وبني مالك والأسود والحشر ... فلم أوجس منهم خيفة ... أما زميلي خالد فقد بدا له نظرة أخرى لعدم إلمامه بعادات وتقاليد هؤلاء الناس البدو.. سلموا علينا وقفز أحدهم بالقرب مني وكانوا جميعاً ينظرون إلى المسدس الذي كنت أحمله فوضعت يدي عليه لأزيد الموقف تعقيداً ... كان أحدهم وهو أكبرهم مشحونا ويتنفس بسرعة ويكشف عن صدره ... وهو يحمل جنبية بطول نصف متر ( والجنبية هي سلاح أبيض أطول من السكين وأقصر من السيف ) .. وكان يحاول أن يظهر سلاحه لنراه وعين حاله تقول إياكم أن تقدموا على شيء. دار حديث سريع بيني وبينهم من أنتم؟ نحن لدينا عمل ومسح للمنطقة. من فين ؟ من ها الديار؟ لا منت من الريث ... الحديث سريع والموقف كان مريباً ... فما كان من خالد إلا أن تراجع نحو صخرة مرتفعة والجميع بدأ كل يبتعد لتتسع الدائرة بعد أن كنا متلامسين نتصافح ... يدي على مقبض سلاحي رغم أني مطمئن كل الطمأنينة نحوهم ... خالد يناديني تعال بسرعة انصرفت إليه وقبل ذلك قلت لهم تأمرون على شيء قالوا: سلامتكم لكن إذا رآكم أحد غداً وسألكم رأيتم أحداً قولوا لا ما رأينا أحد . قلت لهم اتكلوا على الله فما رأيناكم أبداً.

     انصرفت نحو خالد وسرنا عكس اتجاههم ... وأخذ خالد يسر إلي ألم تحس فيهم الغدر ... ذهب خالد إلى ابعد مما تصورت ... وكان يحق له ذلك ... فقد اعتقد أنهم رأوا نارنا وموقعنا وهم بالأسفل وأتوا لغاية سرقة أو خيانة ... أصر خالد على رأيه ....

    ففسرت لخالد ما علمته وفهمته عن هؤلاء فأقنعته بشكل كبير ... ولكن رغم شكه الذي بقي نسبة 2% آثرنا ترك مكاننا وبحثنا عن مكان آخر لنبيت فيه.

    أما فيما يتعلق بهم فالأصل حسن الظن ولكن هناك عادة قديمة متوارثة عند بعض بدو أهل الجبال ( أتحفظ عن ذكرها هنا ) تنتشر بين الشباب ومن كلا الجنسين وقد كان أولائك ذاهبون في طريقهم لغايتهم ومبتغاهم ففاجأنهم دون قصد فأرعبناهم وأربكناهم وأقلقونا .. وهذه العادة من خلال دراستي للحياة الاجتماعية لسكان الجبال هي عادة عفيفة عندهم رغم رفضها  في مجتمعات أخرى ... أسأل الله أن يعفو عنا وعنهم وعن كل مسلم. )

في الطريق دائما تعترضنا هذه الفواصل الصخرية الغريبة بين طبقات الأرض والتي قد تمتد لمئات الأمتار ... وهي فواصل من الصخور المتحولة

الجلسة قبل غروب الشمس على مطل الحافة الجميلة حافة القوس العظيم

الصديق خالد وهو يقوم بعملية تعقيم الإبريق المستعار في ذرى النبات

الإبريق ورائحة الشاي التي تصدع في الرأس في مكان يشرح النفس ويعمل العقل

كأس مشمخر الذرى من أجود أنواع الشاي الإنجليزي في أبعد نقطة عن عالم الحضارة بجبل القهر يشعرك بجنون العظمة

محدثكم وأخوكم الباحث الجغرافي حمد العسكر ومع أحلى الأماني للجميع

إلى هنا انتهى الجزء الرابع من الرحلة

تقبلوا تحيات محدثكم حمد العسكر وإلى اللقاء في الجزء الخامس والأخير من الرحلة

جبل القهر زهوان ( إخطبوط الجبال ) رحلة مع الجن بين الواقع والخيال

الجزء الخامس

رحلة الوصول إلى نوعة "قمة الشرف" وعبور أخدود وادي ( قني فين )

أهلا وسهلا بكم

       في هذه الرحلة قررنا استبدال لباس الرياضة والرحلة باللباس السعودي الأخف وزناً والأكثر استخداماً مع الكنادر الجبلية وشنطة الرحلة الخاصة ... وقد تعمدنا ذلك لعلمنا اليقين أن الشماغ والعقال من الوسائل المساعدة على التسلق وبعث روح المعنوية في النفس ... والثوب متعدد الاستخدامات خفيف الوزن ... يمنع تجمع العرق الذي يزعج المتسلق ووسيلة للتنشيف وحمل الأغراض الخفيفة التي نحتاجها قريبة من اليد... ومن خلال هذه الرحلة ثبت لي بالتجربة أن الرحلة بالثوب والشماغ والعقال أفظل بكثير من البنطلون والفنيلة وأكثر نفعاً وفائدة. شرط معرفة بعض القواعد مثل ربطة الثوب ووضعية الشماغ وحمل العقال.  وهذه الرحلة خير برهان.  وقد حملنا معنا أجهزة تصوير وطعام وماء كافيان وسلاح للحماية وبعض الإسعافات الأولية.

هذه الرحلة كلها سير على الأقدام في أوعر منطقة تضاريسية في المملكة النزول من ارتفاع 2100م إلى 1000م في أخدود "قني فين" ثم الصعود مرة أخرى والالتفاف نحو السفح الغربي للشرف غربي القهر حتى بلوغ قمة نوعة 1900م والعودة نحو نقطة البداية عبر طريق آخر.. تصادف في هذه الرحلة الجن الجن.

الهدف من هذه الرحلة مشاهدة الجبل المائدة جبل القهرة من جهة الشرق والذي يتعذر رؤيته من مكان آخر بوضوح كما يشاهد من قمة الشرف

        سنتناول في هذه الرحلة مشاهد لأكثر الأخاديد عمقاً بالمملكة بعد أخدود لجب الذي يقع شرق جبل القهر والذي أفردت له موضوعاً خاص تحت عنوان ( وادي لجب الصدع ألانكساري في أقدام جبال القهر ) كما سنشاهد أقدم طرق الراجلة التي صنعها الإنسان ليسير عليها في هذه المناطق الوعرة مستعيناً بالحجارة والأخشاب في بنائها... وسنشاهد كذلك بعض الحيوانات الأليفة التي تعيش في سفوح الجبل ... وبعض النبات الطبيعي الجميل ... وبعض تجمعات الماء الطبيعية "البرك" في حواف وسفوح الجبل. كما سنشاهد ساكني الكهوف وحب صحبة الجماجم البشرية.. وسنشاهد أوعر طريق بدائي عبر السفح نصعده بواسطة الخشب والحبال.. وغير ذلك.

      موقع الرحلة :

      هذه الرحلة في الجزء الغربي من جبل القهر شمال رحلة الوبقة ... ومن خلال الصور الفضائية التالية يتضح مسار الرحلة.

صورة جوية توضح قمة نوعة "الشرف" وجبل القهرة المائدي

اللون الأحمر مسار الذهاب والأزرق مسار العودة وهناك قمة نوعه شرقية وغربية

من قمة الشرف يمكن مشاهدة جبل المائدة  القهرة بوضوح تام

 

صورة مقربة لمكان الرحلة من اليمين هبوط الأخدود والسير حتى القمة أقصى اليسار ويظهر في وسط الصورة قمة نوعه الشرقية التي سنلتف حولها عند الرجوع ويحدها أخدوديي قني فين من الغرب ورافده نحو الشرق كما سيمر معنا في الصور

صورة لمخطط الرحلة المثيرة لاحظ عمق الأخدود العظيم "قني فبن"

قبل بداية الرحلة بليلة مررنا بهذا المطعم البدائي ذو الطعم والنكهة الإريترية

هذه بداية الطريق التي هبطنا من خلالها وتلاحظ شدت الوعورة

جمعنا قبل أيام لياقة كافية والحمد لله أفادتنا كثيراً في هذه الرحلة

نستعين أحيانا بالأخشاب عند الحاجة وتقدير العين للمسافات

نجد بين الحين والأخرى طرقاً قديمة مرصوفة بالحجارة و الأشجار

نبات الصبار الجبلي وتبدو خلفه قمة الشرف نوعه الشرقية وخلفها نوعه الغربية وهي بعيدة ليست على حقيقة المنظر

أحيانا تعيق طريقنا النباتات والأشواك ونمر على جداول مائية بين الصخور

عندما نتعب نستريح في ظل الحواف - صورة باستخدام المؤقت

صورة تعطي مثالاً للسير في حواف السفح نزولاً نحو أخدود قني فين

في هذه الصورة نلاحظ شدة الانحدار وقد ازدادت نحو الشكل العمودي

يزداد الانحدار وتزيد المخاطرة ويبدأ دور العقل والتفكير والحذر بعد التوكل على الله، في هذه الصورة نستخدم ضغط الأقدام والأيدي في الشقوق

مررنا بهذا الشرخ في الجبل والذي يقسمه لجزئيين في الجهة المقابلة وفي الجهة التي نقف عليها

الأرقام 1 أخدود يرفد قني فين - 2 وادي قني فين - 3 قمة الشرف "نوعه" الغربية

حاولنا البحث عن طريق فلم نجد .. فما زال أخدود قني فين سحيقاً نحو الأسفل

تواجهنا دائماً مشكلة الصخور القبابية ذات النهاية الحادة مما يجعلنا نعود للخلف

       بعد أن وصلنا إلى هذا المكان توقفنا أمام هاوية وخلفنا الرجوع متعب جداً .. ولحسن الحظ سقطت من يد خالد إحدى الكاميرات الرقمية نحو شرخ في الجبل إلى يسارنا وعندما اقتربنا منه عثرنا على شجرة يزيد طولها عن 8 أمتار قد خرجت من هذا الشرخ فاستخدمناها للنزول لجلب الكاميرا ووجدنا بعدها طريقا وان كان وعراً إلا أنه حل المشكلة.   نواصل مع الصور.

وصلنا إلى طريق مسدود جلسنا نفكر حتى توصلنا إلى حل أغنانا عن العودة والبحث

بدأ خالد بالنزول عبر جذع الشجرة الذي يزيد طوله عن 8م

ثم تبعته أنا بعد أن أنزلنا حقائب الرحلة بواسطة ربط الشماغين بها

في الأسف عانينا قليلاً من هذه الأشواك

ثم نزلنا عبر جذوع وعروق الأشجار المعمرة التي توغلت أسفل للبحث عن الماء

اضطررنا مواصلة النزول عبر هذا الشق 12م مستخدمين ضغط أجسامنا على الحافتين

للحذاء والخبرة وقوة القلب دور قوي في تحدي الصعاب بعد التوكل على الله

ما زلنا نهبط نحو الأخدود مستخدمين شتى الطرق

أخيراً هانحن في قاع الأخدود وادي قني فين والذي لا يزيد عرض مجراه عن مترين

فيه بعض المياه والكثير من النباتات الطبيعية والروائح الزكية

وها هي الجهة المقابلة  يتوجب علينا صعودها وتبدو أقل وعورة من الجهة الشرقية

خالد يمسك بقربة ماء قديمة عند رجل من أهل المنطقة اسمه موسى كان جالساً مع قريب له اسمه مزعوي في هذا الكهف المطل على الحافة الغربية وقد رفضا تصويرهما وسمحا بتصوير المكان

بعد ذلك سرنا غرب الحافة نحو قمة الشرف فمررنا على هذا الثور في حافة السفح

وقد كان بصحبته زوجته السيدة بقرة حيث يتوفر لهما الكلأ والماء والهدوء

باتجاه القمة مررنا بالعديد من برك الماء العذبة توضأنا من هذه لأداء صلاتي الظهر والعصر، إلى الأعلى واليسار تستمر الحافة الإنكسارية بينما يشقها هذا الممر الجبلي.

مررنا بطرق مرصوفة من جديد غاية في القدم

حافة الجبل عن يمننا والسفح عن يسارنا ونحن نسير نحو القمة-انظر خطوط السير السابقة وإلى الأسفل نشاهد الروافد التي تتكون من سفوح هذا الجبل الأخطبوطي

حيرتني هذه الطرق القديمة المصنوعة في هذا السفح والتي سهلت علينا السير كثيراً

عاد الغطاء النباتي من جديد بلونه الأخضر عندما ارتفعنا نحو القمة

يضيق الطريق ويصبح الغطاء النبات من العوائق الخطيرة في الحافة

تعود الأخاديد لتقطع الطريق لكن وجدنا الإنسان قد صنع جسورا خشبية سهلت المهمة

 في الخلف الحافة الشرقية التي قدمنا منها.. هنا نجد نباتات العرعر أخشاباً ميتة

أخيرا وصلنا إلى القمة "نوعه" قمة الشرف الغربية كما يطلقون عليها

وجدنا في القمة أشجارا شوكيه أوبرية وأخرى أحراشا وجنبات متعددة

صور لمحدثكم مع صديقه خالد في أعلى القمة.. ونشاهد في الخلف مزيداً من الأخاديد

في أعلى القمة وجدنا برك مائية عذبة سبحان من كونها

وهذه بركة أخرى على حافة السفح - الصورة مقربة

وها هو نحو الغرب مشهد جبل المائدة جبل القهرة الجبل العظيم في أقرب وأوضح صورة له من جهة الشرق ..

ونحو الجنوب نشاهد عفريت الجبال الجبل الأسود يطل من بين السحاب (سقف جازان)

رغبة تخفيف الحمل تركنا هذه -البيالات- فوق هذه القمة وستبقى ما شاء الله أن تبقى

بدأنا نسلك طريق العودة الذي رسمناه في البداية بالأزرق ... ومن بداية وادي قني فين نشاهد الطريق التي سلكنها للوصول إلى هنا باللون الأحمر والله المستعان

في الصورتين طريق الرجوع ..ونشاهد في أعلى بداية تقسيم مياه وادي قني فين هذه الطريق المرصوفة التي سلكناها ..حتى عبرنا للأعلى والتفننا حول قمة نوعه الشرقية في الصورة الأعلى لنعبر رافد قني فين الشرقي.  ارجع لصورة الأرقام لكي تتخيل المشهد

منظر نحو الجنوب من أعلى الأخدود لوادي قني فين الأخدود السحيق

مررنا في حافة نوعه الشرقية بهذه الآثار لصناعة ما يسمى القطران السائل  والذي يستخرج من جذوع الأشجار

كذلك مررنا بهذه الزريبة التي كانت تستخدم لحبس صغار الماعز وتلك الصخور التي تستخدم كمخبأ للأغراض .. أو ما أشبه .. والعجيب كيف يأتون إلى هذا المكان الشاهق الذي هو حافة في جانب سفح مرتفع

وعند غروب الشمس ... نصل إلى أخطر مكان يمر علينا وهو الصعود نحو الطرف الشرقي عبر رافد أخدود قني فين ... حيث صار الطريق حافة جرداء لا يوجد بها سوى شرخ صخري ومجموعة من أخشاب العرعر التي أسندت إليه... وحبل يتدلى من الأعلى بمقدار أمتار قليلة .. وكان علينا صعوده قبل تعمق الظلام حيث يتعذر رجوعنا للخلف .. وبالفعل تخلصنا من نصف متاعنا واستخدمنا أشمغتنا كحبل مساعد وصعدت أولاً ثم سحبت المؤن المتبقية وهي شنطة واحدة إلى منتصف الشرخ حيث التريحة هناك ثم صعد خالد بعدي وقد استخدمنا في صعودنا كل طاقة ممكنة ... جسارة القلب وضغط الجسم على الحواف ومنع تعرق اليدين ... وتوزيع الحمل ما بين أخشاب العرعر والوقوف على الأقدام وسحب الأيدي للأعلى.

في مكان التريحية أقف الآن وهذه صورة نحو الأسفل وقد صعد خالد نصف المسافة بيني وبينه وبقي فوقنا مثل ما قطعنا ... وقد تعذر التصوير بعد هذه الصورة لوعورة المكان وصعوبة حمل الكاميرا فالأيدي كلها مشغولة بما هو أهم وأولى .. وعمق السفح نحو الأسفل قد يصل إلى 400م انكسار فقط وعن القاع أكثر من ذلك.

        وبفضل من الله نجونا وسرنا بعد صعود هذا المنحدر الشاهق .. في الطرف الشرقي تاركين قمة الشرف ونوعه وحافة الشرف وأخدود قني فين ورافده خلفنا ... وبعد قليل توجب علينا السير نحو الجنوب في حواف ومدرجات سهلة ... وبينما نحن كذلك إذا رأينا ناراً توقد في كهف بحافة عن يسارنا .. توجهنا لها ولما اقتربنا أشعلنا مصباحاً كان معنا ... فرأينا الرد بمصباح آخر ... فقررنا التوجه نحوهم ... يا أهل البيت ؟  هلا والله تفضلوا.  

       المرحلة الأخيرة من الرحلة والجن بين الواقع والخيال

       توجهنا نحو النار وإذا النار قد أوقدت في فوهة كهف ... وإذا بحوالي ثمانية شبان كأنهم الجن يرحبون بنا ... قدمنا عليهم ضيوفاً وكان الوقت بعد العشاء .. وقد هالهم الاستغراب منا ومن حالنا وحملت وجوههم العديد من الأسئلة حتى اعتقدوا بأنا جن ولسنا بإنس .. جلسنا إليهم في الكهف وقدموا لنا الماء والشاي وكان عشائهم قد حان وقته فأصروا أن نتعشى معهم ... وبالفعل تعشينا وسمرنا معهم قرابة ساعتين ... دار خلالها حديث وحدث.

     أما الحديث / فسألتهم ما خطبكم وهذا الكهف والمكان النائي ... فقالوا هنا نرتاح وينشرح الصدر ونسمر كل ليلة، الجو بارد والمكان هادئ ... ونخرج في النهار لصيد الوبران والطيور المتنوعة ونتمشى في هذه المطلات ... ونحن لما رأينا نوركما اعتقدناكما من الجن ... لأننا دائماً نرى أشباح الجن على شكل نور ...  فسألوا عنا وأخبرتهم بأننا هواة استكشاف ورحلات ... الأمر الذي استغربوا منه جميعاً .. عندما علموا أننا كنا قادمين من قمة الشرف نوعه ... فكلهم رغم أنهم من سكان المنطقة قالوا لم نذهب إليها من قبل لوعورة المكان وصعوبته.   وفي أثناء الحديث وصدفة ساق أحدهم نبذة عن الرحالة حمد العسكر الذي زار جبل القهر عام 1422هـ و 23 و 24 و25 و26 و1427هـ دون أن يعلم أنه يستمع لحديثه وأمامه ... فقلت له كيف عرفت بحمد العسكر وقد صدقنا القول عندما قال: قابله قريب لنا يدعى قاسم حسن وصحبه في الجبل خلال إحدى جولاته.

     سألني أتعرف حمد العسكر فقلت له إنه لمن محاسن الصدف أنه يستمع إليك فسبحان الله العظيم.

     أما الحدث / ففي أثناء جلوسنا معهم في الكهف رأينا بناء غريباً في طرف الكهف الخارجي فسألنهم ما هذا قال تعال وانظر وأحضرنا الكشاف وإذا بها جماجم وعظام وهياكل بشرية .. كثيرة .. وما كان مني إلا أن قلت ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم ..... إلخ ) بسم الله الرحمن الرحيم كيف تعيشون قرب الأموات وتسمرون مع الجماجم والعظام ... فرد أحدهم هذه مقبرة أبائنا وأجدادنا الذين ماتوا في حرب القهر وقبلها ... هذي جمجمة جد الرجال هذا وهذي جمجمة ...... فقلت له يكفي كان الله في عونكم أنتم أصحاب قلوب قاسية وجبارة ... فضحك أحدهم وقال هذه تذكرنا بالصلاة والآخرة... فسبحان العظيم .

    اعتقدوا بأننا جن واعتقدنا بأنهم جن وكان هذا آخر فصول رحلتنا فأسميت هذه الرحلة بـ :

جبل القهر زهوان (  إخطبوط الجبال ) رحلة مع الجن بين الواقع والخيال

وإليكم الصور التالية جن مع الجن على سبيل المجاز

 أهل الكهف الثمانية ونشاهد الكهف يحيط بالجميع

من اليمين إلى اليسار خالد- محدثكم- صدام- جميل- جمال- محمد-عيسى خارج الكهف قرب غرفة مبنية من الحجر.

صدام و جميل يمنيين  - جابر وشعبان ريثيين

صور لبعض الجماجم والعظام جوار أهل الكهف

وفي الختام تقبلوا تحيات محدثكم وأخوكم الباحث الجغرافي والرحالة حمد العسكر

إلى هنا انتهى الجزء الخامس والأخير من الرحلة وإلى اللقاء في رحلة قادمة

         الجزء المفقود     24 صورة مصاحبة

 

دائماً نقول "عظمة الله تتجلى في خلقة